الدولة.. وشيء مما يحتاجه المستقبل

فتحي الشرماني


 - 
لدينا مخرجات حوار وطني شامل تمثل منظومة تغيير متكامل, لنقل إنها حزمة ضخمة من المدخلات النوعية التي تتطلب جهدا نوعيا ووعيا جديدا من قبل الدولة نفسها بوصفها مؤ

لدينا مخرجات حوار وطني شامل تمثل منظومة تغيير متكامل, لنقل إنها حزمة ضخمة من المدخلات النوعية التي تتطلب جهدا نوعيا ووعيا جديدا من قبل الدولة نفسها بوصفها مؤسسات وطنية ستتولى عملية التنفيذ, وقبل ذلك تقع عليها مسؤولية تهيئة الأجواء لهذا التنفيذ من خلال حضورها القوي, لاسيما أن لها قيادة سياسية مدعومة بشرعية انتخابية شعبية توافقية, وقد اختارها الشعب لإخراجه من حالة الصراع المتفجر في 2011م ومن ثم السير الممنهج نحو مستقبل آمن لكل اليمنيين وفق ما نصت عليه المبادرة الخليجية التي ارتضى بها الجميع آنذاك.
وبالفعل فقد باشرت القيادة المنتخبة في إطفاء فتيل الأزمة واستمرت في النجاح, وخطت خطوات منتظمة في تكوين قرار مركزي محط هيبة واحترام استطاع أن يفرض الحلول الموضوعية ويعالج المشكلات, حتى بدأ اليمنيون يشعرون أن هناك ملامح دولة تتشكل, وهيبة مسلوبة تحاول الدولة أن تستعيدها, وهي تقضي شيئا فشيئا على حالة الانقسام.
ثم كان لهذه الدولة أن ووجهت باختبارات صعبة في الوقت الذي كانت قاب قوسين أو أدنى من إعلان مخرجات الحوار الوطني ..وحين انتهى الحوار كان متوقعا أن تكون فترة ما بين انتهاء الحوار والاستفتاء على الدستور التوافقي الجديد فترة هدوء واستعداد للتحول الكبير في التفكير والسلوك والمواقف, ولكن بدا الحال كأن 2011 عاد بحلة أخرى من خلال حروب متعددة لم يهدأ سعيرها حتى اليوم, فقد نهضت الأحقاد والعصبيات التي تشعل الفتن والنزاعات والنزعات غير الوطنية بدءا بحرب دماج ومرورا بحروب عمران وانتهاء بحرب الجوف التي لا تزال مستعرة حتى اليوم, وفي ظل كل هذا التقهقر والانكسار خفت صوت المستقبل, وبدا الحال كأن اليمنيين لم يدخلوا في حوار ولم يتوصلوا إلى حلول لكافة مشكلاتهم.
أما الدولة فقد ظهرت كأنها الخاسر الأكبر في هذه المرحلة المضطربة, إذ إنها فوجئت بأحداث وأزمات لم تستطع السيطرة عليها في بدايتها لتبقى هي المهيمن وتحافظ على ذلك القدر الكبير من تعافي جروح 2011م, ذلك التعافي الذي كان لبلسم الحوار خلال عام كامل أثر كبير في تحقيقه .. وبالتالي ظهرت الدولة كأنها تفقد جزءا من مستوى الهيبة الذي استعادته بفعل النجاح الكبير في إدارة التوافق السياسي, وقد ارتسمت هذه الخسارة من خلال مآلات محزنة نجد صداها اليوم يتردد في أخبار اجتماعات الحكومة التي تتصدرها المناشدات تلو المناشدات لمن يتسبب بأزمات اقتصادية, أو لمن يستمر في السيطرة على المكاتب الحكومية وفرض سياسة الأمر الواقع!!.
كل ما نريده الآن هو أن لا تتعايش الدولة مع منطق الحرب وديمومة الصراعات, وأن لا تقبل بها ضرورة لابد أن تترافق مع مسيرة التغيير السلمي بوصفها ضريبة التحول الذي ينبغي أن يدفع الوطن ثمنه ..فلا يمكن للمستقبل المأمول أن يتشكل على جغرافيا وطن مليء بالأحقاد والضغائن وأصوات الرصاص ومئات الآلاف من القتلى والجرحى والأيتام والأرامل.
ولذلك نقول: تقع على الدولة مسؤولية إيقاف كل الحروب والمناوشات والانفلاتات الأمنية التي تحدث هنا وهناك, وعليها التصدي لفكرة الصراع التي هناك من يريد أن يكون لها موطئ قدم في الدولة الاتحادية القادمة .. وهذا التصدي لن يكون إلا من خلال تحركات سياسية مؤثرة ويقظة نوعية في الأداء الأمني وتفكيك شبكات الفساد, واصطفاف وطني بين كل القوى السياسية, بحيث يتأكد حضور الدولة وتستعيد كل هيبتها, وتكون أكثر قوة في مواجهة خطر قوى الشر والإرهاب ومؤامراتها النكراء, وبحيث تكون الأجواء مهيأة بحق وحقيقة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني الشامل التي تتطلب, كما قلت آنفا (جهدا نوعيا ووعيا جديدا من قبل الدولة نفسها بوصفها مؤسسات وطنية ستتولى عملية تنفيذ مخرجات الحوار الوطني).
ولأن حروب الأشهر الماضية أذهلت اليمنيين وأربكتهم, فإننا اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة إحياء قيمة مخرجات الحوار في النفوس.. ودمتم ودام الوطن كله بخير.

قد يعجبك ايضا