(بلقيس) حقيقة الاسم ومعناه
*سميــر الشعوبي

كثيرا ما أثيرت الشكوك من قبل بعض “كتبة التاريخ الجدد” حول حقيقة السيدة بلقيس ملكة سبأ جاعلين من اسمها (بلقيس) مدخلا لذلك مدعين أن هذا الاسم لم يـظهر له أثر في النقوش والكتابات الأثرية القديمة التي عثر عليها في اليمن أو خارجها.
إلا أن بعض هؤلاء الكتبة لم يكونوا صادقين في هذا الادعاء والبعض الأخر ربما عزت عليهم المعلومات وعجزوا عن الربط بينها وساهم في ذلك التصور المناطقي أو القطري الضيق للتاريخ القديم ووقائعه وشخصياته وأقوامه ولغاتهم وكتباتهم وتداخلات ذلك وصلاته… فكتبوا بجهل أو عن قصور في الفهم أو تقليدا وتأثرا بما قاله غيرهم.
ولهذا رأيت أنه من الأفضل توضيح الرؤية حول هذه المسألة كي يتم سد هذا الباب ولكي يأخذ أصحاب الأقلام من أولئك الكتبة في علمهم وفي اعتبارهم بعد ذلك ما سنورده من معلومات في هذا المقالة حول اسم هذه الملكة العربية السبئية “بلقيس” وأصل هذا الاسم ومعناه.
فبالنسبة للكتابات الأثرية القديمة فقد قـــــريء اسم “بلقيس” في نقوش مسندية ومسمارية وأقر بذلك بعض العلماء من المستشرقين وأعضاء البعثات الأثرية الأجنبية.
فهذا ويندل فيلبس وأعضاء البعثة الأمريكية التي نقبت في مناطق كثيرة في اليمن- يعترف بواحد من تلك النقوش المسندية التي ذكرت “بلقيس” وقرأ فيه هو وزملاؤه الاسم “بلقيس” [1] ولكن فيلبس هذا تحفظ على ذكر محتوى ذلك النقش المسندي فلم ينقله إلينا رغم أهميته وهو النقش الذي زعمت هذه البعثة الأمريكية بعد ذلك أنه ضاع منها (¿!).
فهذا هو أحد النقوش المسندية الخاصة بهذه الملكة بكل تأكيد ورغم أقرار ويندل فيلبس به إلا أنه يعتبر من النقوش الكثيرة التي اختفت أو يم قشطها بعد العثور عليها مباشرة.
والملفت للنظر في ما ذكره ويندل فيلبس عن هذا النقش المسندي هو قوله أنه (( تضمن اسم “بلقس” الذي لو كتب بأحرف العلة الصحيحة لكان من الممكن أن يقرأ “بلقيس” وهو الاسم التلقيدي لملكة سبأ )) ثم يضيف هذه الجملة : (( تلك الزائرة الأشورية للملك سليمان )).[1]
إن هذه الجملة الأخيرة التي يصف بها ملكة سبأ تشير بوضوح إلى أن فيلبس وأمثاله أيضا من رؤساء وأعضاء البعثات الأثرية الأجنبية التي نقبت في البلاد العربية سواء في اليمن أو العراق والشام أو غيرها.. كانوا قد اطلعوا على ترجمات لنصوص في ألواح مسمارية كثيرة قبل ذلك وأن من تلك الألواح المسمارية نصوص تحدث عن ملكة اسمها “بلقيس” أي أنه قد ورد ذكر هذه الملكة في نصوص مسمارية أشورية– بل وتذكر تلك النصوص أيضا بأن هذه الملكة “زارت الملك سليمان”.. ولهذا وصفها فيلبس بـأنها ـ”أشورية ” وهو الوصف الذي لم تذكر به هذا الملكة في أي من المصادر التاريخية الخبرية أو المروية سواء العربية أو اليهودية أو الكلاسيكية الأوروبية أو غيرها .
فوصف “فيلبس” لها أنها أشورية إنما كان بناء على ما قرأه ووجده هو وغيره عن هذه الملكة في النصوص المسمارية والتي عثر عليها في أشور فاعتبر فيلبس أن بلقيس هي ملكة أشورية لهذا فقط وصفها بقول “الزائرة الأشورية للمك سليمان”.
والمسمارية هي التي استعملت ككتابة قبل الأبجدية في الهلال الخصيب.
لكن ما هو معلن ومعروف “رسميا” أن النصوص المسمارية سواء الأشورية والبابلية لم تأت öعلى ذكر ملكة أو أميرة أشورية اسمها بلقيس وأنها قامت بزيارة للملك سليمان.. فهذا الأمر غير معلن ولا معروف في “التاريخ الرسمي” الذي يعلن عنه ويدرس للطلاب في الجامعات العربية وغيرها.
فمن أين سيأتي ويندل فيلبس بهذه الفكرة عن الملكة بلقيس بأنها “أشورية” إلا أن يكون قد قرأ عنها في نصوص مسمارية .
وهذا هو فعلا ما حصل فالنصوص المسمارية تحدثت عن هذه الملكة العربية الشهيرة فقد ذكر الآثاري الإنكليزي سير هنري كرسويك (1810 -1895 م) أنه قرأ الاسم “بلقيس” في نقوش مسمارية عثر عليها في شمال شرقي الخليج العربي [2].
والخلاصة مما ذكرنا أنفا هو أن هناك نقوش مسندية وألواح مسمارية تخص هذه الملكة وعثر عليها فعلا في اليمن وشمال الجزيرة العربية ولكن هذه الوثائق الأثرية تختفي بعد ذلك.
فهذا مما ظهر وما خفي كان أعظم.
هذا وبشكل يلفت نظر الباحث المحقق على منهج الشك اليقيني- نجد أنه قد انقطع فجأة أي حديث عن تلك النقوش الأثرية وانخمد أي ذكر لها أو تساؤل حولها أي أن تلك النقوش بعد أن عثر عليها وشاع الخبر عن محتواها بشأن هذه الملكة صارت فجأة كأن لم يعثر عليها ولم يفصح أحد عنها ليس فقط أنها اختفت وضاعت بل حتى لحق بذلك انقطاع كلام المختصين والمسئولين في الهيئات الحكومة المختصة بالآثار- وبالتالي الدارسين– عن تلك النصوص الأثرية فأطبق الصمت حتى النسيان- عن أي تساؤل أو ذكر لها ومازال الأمر كذلك مستمرا إلى اليوم.
لقد جرى هذا ومازال جاريا ب