رمضان مدرسة الأخلاق العظيمة.. وشهر التسامح والرحمة
تحقيق/ نجلاء الشعوبي

يعتبر الصيام من أكثر الطقوس روحانية عند المسلمين وذلك بما يحمل من معاني ودلالات تروض النفس البشرية على الصبر والتحمل والكلمة الحسنة وحث على الصدقات والتقوى, كما يلعب الصوم دورا روحيا وأخلاقيا كبيرا بالنسبة للصائم فيقوي إرادته ويحمله على الانقياد لما يحبه الله ويرضاه, ويمنعه من الممارسات غير الصالحة من الأقوال والأفعال غير اللائقة ويمنعه من الاعتداء على الآخرين بالأقوال والأفعال ولكن رغم هذا أصبح من المعتاد أن نسمع (لا تحاكي صائم بعد العصر) وكأن هذا الصائم قنبلة موقتة بوجه الناس وليس في عباده وآخر من يقول (صفراء الصيام) وكأن الصوم مرض يخرج منه العيوب فتبدأ الأخلاق تضيق والمعاملات تكون أكثر صعوبة بين الناس سواء في الأسواق أو المؤسسات والوزارات الحكومية حتى على مستوى البيوت وكأن الصوم لم يأت بشيء من الأخلاق والمعاني الكريمة التي تحمل أسمى وأنقى الأخلاق والمبادئ الإنسانية متناسين أن هذا الشهر شهر الأخلاق والقرآن لقوله تعالي (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) لذلك تغيرت معاني هذا الشهر الكريم ولم يعد هناك أي تحكيم للعقل والتمسك بالإيمان.
محمد الحمزي مدرس يرى أن الشهر الكريم مدرسة لتعليم الكثير من الدروس والعبر سواء كانت النفسية أو الأخلاقية والجسدية, فهو مدرسة المسلم, فيها هو الرقيب على نفسه سواء في احتمال الجوع والعطش أو إمساك اللسان عن الشتم والنميمة كما يحرص على عدم أتباع النفس وأهوائها لذلك يجب أن يحاول الناس التمسك بهذه الأخلاق وأن تكون واقعا في حياتهم اليومية حتى تكون الأعمال مقبولة.
وهذا ما وافق عليه عبدالله المقدمي, موظف بأن شهر رمضان هو شهر امتحان لمدى قدرة الإنسان على التحمل وعلى الأخلاق الحسنة وعدم الغضب بسرعة ولأتفه الأسباب فلا يكتشفها إلا بعد الإفطار فيرى كم كان الأمر الذي أشعل غضبه وجنونه أمرا بسيطا ولا يحتاج إلا العقل والصبر والهدوء فالصوم له معاني كبيرة وآثار عميقة في النفس ويجب أن تجد لها انعكاسا في المعاملة بين الناس والأهل الأقربين.
غضب
أم عمار ربة بيت تضيف بقولها «إن الغضب أسوأ الأخلاق التي تكون لدى بعض الناس بحيث يتحججوا بالصوم وكأنهم هم الوحيدون من يصوم متناسين بأنه يجب أن يتسم الصائم بالصبر والرحمة وخصوصا رب الأسرة الذي يحوله الشهر الكريم لمصدر خوف لدى أفراد العائلة وتجنب أبسط الأخطاء فلا يقبل أي كلمة أو أي رأي وقد يكون متذمرا على الطعام أو أي شيء قد تنساه الزوجة فتثير ثائرته من دون رحمة أو تعقل لذلك قد توجد المشاكل والاشتباكات والاختلافات في البيوت وبين أفراد الأسر وكذلك بين الناس, وفي الأسواق تكون قبل موعد الإفطار بساعات وكأن الصوم حبس وضيق مما يودي إلى الانفعال والصراخ والتعارك وقد تصل لأضرار جسدية ومادية, وقد تصل للجروح والقتل لا قدر الله في ساعة غضب قد يندم عليها الإنسان فيما بعد.
نفسية الصائم
الدكتور طاهر الحزمي علم نفس يصنف الانفعالات النفسية للصائم بالطبيعية والتي قد تكون نتيجة مضاعفات في الجسم نتيجة الإمساك عن الطعام والشراب وفي هذه الحالة فإن المسيطر على الوضع هي درجة الإيمان لدى المسلم والتحكم بالأعصاب والانفعالات خصوصا مدمني التدخين أو تناول القات فهذه الفئة تكون أكثر انفعالا وضيقا ولا تتحمل أي اختلاف, إلا أن هذه انفعالات وقتية تنتهي بانتهاء الصوم وموعد الإفطار بحيث تبدأ الانفعالات تقل بعد إشباع رغبات الطعام والشراب والدخان ويزيد الإنتاج والعمل ويبدأ الإنسان أكثر هدوءا.
عبادة
من جانبه يؤكد الشيخ جبري إبراهيم أن الصيام هو العبادة والتقوى فالصيام الكامل هو الذي يصل بصاحبه إلى درجة التقوى قال سبحانه وتعالى(يا أيها الذöين آمنواú كتöب عليúكم الصöيام كما كتöب على الذöين مöن قبúلöكمú لعلكمú تتقون} [البقرة : 183 يجب على الصيام أن يكون صوم اللسان والجوارح فليس الامتناع عن الأكل والشرب والشهوات الأخرى في النهار وإنما هو الصبر والإخلاص والذكر والدعاء والحلم والعبادات والطاعة, ومنه صوم اللسان لقول صلى الله عليه وسلم «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يفسق ولا يرفث فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم» [متفق عليه فلا يجب أن يشتم أو يسب أخاه المسلم مهما كانت الظروف, وعليه أن يتحمل صيامه ولا يمن على الناس, والصوم عبادة صبر ولا يجوز إيذاء المسلمين سواء في البيت أو خارجه, وأن يتحمل من أخيه المسلم, وتحكيم العقل والإيمان لقول الرسول الكريم لأشج بن القيس(إن فيك خصلتين يحبهما الله, الحلم والأناة) رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما لأن الصيام ترويض النفس على الصبر والتراحم والأخلاق