حين يستعير الهر صولة الأسد!!
فتحي الشرماني
دائما يعرف العدو الصهيوني من أين تؤكل الكتف, وهو والقوى التي تؤازره يجيدون صناعة الصبر والاستراتيجيات طويلة الأمد لأنهم لا يعانون قصورا في النظر ..فهكذا هم اليوم يقفون متأملين في المشهد العربي ومآلات العنف والاقتتال التي وصل إليها, وكيف أن كل القوى العربية التي كانت تقلق طموحات بني صهيون أصبحت اليوم أثرا بعد عين, فقد نخلتها الحروب, ومزقتها الفوضى إلى أوصال, وبعد هذا الواقع المهزوم والأشلاء المتناثرة أيكون من الصعب على العدو الصهيوني أن تشتهي نفسه التهام غزة وإحراق أهلها وتدميرها بأطنان من المتفجرات والصواريخ والقنابل العنقودية¿.
لقد تمكنت قوى الشر من إدخال الجيوش العربية في معارك بينية أشغلتها عن معركتها الحقيقية التي تسترد بها الحقوق العربية المغتصبة, وعملت قوى الشر على إذكاء النزعات اللاوطنية كالطائفية والمذهبية والعنصرية لتوقد شعلة الكراهية والأحقاد بين المجتمع الواحد والأمة الواحدة, وهكذا استجاب العقل العربي لهذه النزعات وانجرت لها مختلف القوى والأحزاب شيئا فشيئا وبدون وعي, حتى صرنا إلى ما نحن عليه اليوم من حروب تحت راية المذهب والطائفة ونصرة لمصالح ضيقة بعيدة عن فكرة المواطنة والمساواة والشراكة في بناء الأوطان.
انظروا كيف تجيد قوى الشر تفريخ الجماعات الإرهابية في كثير من أقطار الوطن العربي, وكيف هي سياسة الغرب في ظل تحول هذه الأقطار إلى بركان يقذف بالحمم ليحرق الأخضر واليابس, ويعيدنا إلى العصور البدائية وطبائعنا الأولى حين كنا قبائل متحاربة, يأكل فيها القوي الضعيف, ويتناطح فيها الأقوياء حتى يهلكوا بعضهم, وهكذا هو الحال اليوم, والعالم يشاهد منتظرا لمن الغلبة في الأخير ليتحالف معه, ويتفق معه على رعاية مصالح الدول الكبرى, فلا شيء يهمه غيرها.
لكن من المؤسف أن العرب لا يتعلمون, ولا يتعظون, ولا يزال نهمهم إلى العنف والاقتتال على أشده, واهمين أن هذا الصراع مجال بطولة واستبسال وانتصار, وهي في حقيقة الأمر معركة لا منتصر فيها أحد, فالجميع خاسرون, والمنتصر هو قوى الشر في هذا العالم, تلك التي تريد أن تبني مستقبلها وتطور مصالحها على جثث العرب وأنهار دمائهم.
بإمكان أطراف الصراعات المسلحة أن تستيقظ اليوم وتدرك أن ثمة خطرا أكبر قادما ينتظرها, وأطماعا وأحلافا أكثر عدوانية تتحين الفرص للانقضاض على ما تبقى منها ومن قدراتها وإمكانياتها وثرواتها, وما تضافر القوى العالمية المهيمنة اليوم مع إسرائيل في عملية اجتياحها البري لقاطع غزة وإمطارها بالموت ليل نهار, ليس ذلك إلا بداية لبناء مجد إسرائيل القادم.
فلا تكونوا يا عرب اليوم (كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسدö) كما قال الشاعر الأندلسي عن عرب الأندلس الذين طواهم التاريخ في حروب عبثية كانوا فيها هررا تستأسد على بعضها, فعمل الطوفان القادم من شمال أوروبا على إسقاطهم واحدا بعد الآخر, حتى انطوت صفحتهم إلى الأبد وانتهى مجد ثمانية قرون هي عمر الإسلام في شبه الجزيرة الأندلسية.
هل لكم أن تأخذوا العبرة من التاريخ¿ أم أنكم مصرون على أن تكونوا أنتم عبرة لأجيال قادمة ستحمل هم الأمة وقضاياها وتعيد مجدها بعد قرون من الهزائم التي تتفننون في صناعتها اليوم¿