رمضان الذي يغادرنا

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - أحببت هذا الأسبوع أن أميل ميلا قليلا عن السياسة لأتحدث عن شهر رمضان الذي يرتبط الوجدان معه بطقوس وعادات كان لها الأثر البالغ في التكوين النفسي والاجتماعيوما فتئ بها الزمن حتى جار
أحببت هذا الأسبوع أن أميل ميلا قليلا عن السياسة لأتحدث عن شهر رمضان الذي يرتبط الوجدان معه بطقوس وعادات كان لها الأثر البالغ في التكوين النفسي والاجتماعيوما فتئ بها الزمن حتى جار عليها وأحدث فيها تبدلا وتغير وأفقد رمضان بمثل فعله ذلك قيمته الروحية والاجتماعية والثقافية.
لم يكن رمضان شهرا عابرا بل كان شهرا مليئا بالحياة المكثفة أو الحيوات المكثفة التي يحياها الإنسان وكان نقطة فاصلة وحالة انتقالية وكان الإنسان في سالف الأيام يجعلها عامرة بالسعادة ومتغايرة عن رتابة السائد واليومي تستقبله المساجد بالنورة – طلاء أبيض- وتستقبله البيوت بتجديد الطلاء والأثاث وبشراء متطلباته الغذائية التي ترتبط به دون سواه من الشهور ويستقبله الأطفال بالألعاب الشعبية التي تكاد تندثر بل بعضها اندثر فعلا دون أن يجد باحثا واحدا من بين ركام هذا الواقع كي يعمل جاهدا على توثيق ما يمكن توثيقه وقبل أن تأتي الصين كان رمضان يشهد حالات إبداعية وابتكارية للأطفال واليافعين فهم يصنعون الدمى والألعاب في تفاعل عجيب مع موجودات البيئة المحلية وعطايا الطبيعة الحية ولم يكن يحدث ذلك إلا في رمضان وحده دون سواه كان الإنسان يجد المكان وكأنه يعرفه لأول مرة فالتبدل في الإحساس هو التجدد الذي يحدث الانتقال في حياة الناس تطأ القدم المكان المألوف وكأنها تطأه لأول مرة تذهب إلى المقاشم والبساتين وكأنها تذهب لأول مرة تتفاعل مع حركة السوق وكأنها تأتيه لأول مرة تهفو نفوسها إلى الشعوبية والحلويات الصنعانية وهي تحاصرها بوجودها طوال العام ويظل الزبيب واللوز والمكسرات بجميع أنواعها النكهة التي تعمل على الفصل في الزمن بين حالين.
كان رمضان يجدد في أخلاق الناس التسامح والمروءة ويعد ترتيب شكل العلاقة بين الناس ويعمر القلوب والوجدان بالحب والسلام يتقارب فيه ما كان متباعدا ويجود فيه الناس جودا لا يكون في غيره تكثر الولائم والمآدب ويتمنى الفقراء فيه لو أن كل شهور العام تكون رمضانا لما يجدوه من خير وتكافل وروح إنسانية أكثر جودا وكرما لا يخيب فيه سائل ولا يجوع فيه فقير أو مسكين.
وفي هذا العام جاءنا رمضان وها هو يغادرنا.. جاءنا ونحن في شغل فاكهين نترقب الكهرباء ونقف في طوابير المحطات زرافات ووحدانا ويمضي الزمن ونحن نلاحق أنفاس اللحظة ونتمنى الهدوء والسكينة والخلود إلى الراحة شبح تكاليف الحياة أصبح باهظا والفقر والعوز يحاصر جهاتنا الأربع والحروب تأكل الجماجم والأرواح في بقاع اليمن المختلفة وفي العراق وسوريا وفي ليبيا وأخيرا في غزة فلسطين تصحو على أزيز الطائرات وتنام على دانات المدافع وتقلقنا الرصاصات الطائشة والاغتيالات المتناثرة كالأشلاء.. تحاصرنا مشاهد الدمار والأجساد المتناثرة والدماء السائلة . مفردات الفناء أصحبت مفردات اعتيادية تدور على ألسنتنا كالتحايا التي نألفها في الأوقات المختلفة لم نشعر بوجود رمضان هذا العام كان شهرا عابرا لم يترك أثرا ذا بال في نفوسنا هو يغادرنا الآن ومغادرته كإطلالته علينا لم نشعر بها الأطفال وحدهم هم جرس المغادرة لهذا الشهر الكريم حيث يعزفون لحظة فرحهم المعجونة بالألم والحزن وحين يكابرون على الاحتفاء بالحياة في عالم تفلسفه مفردات الفناء والموت على الصعد المختلفة.
حتى الأطفال أنفسهم لا ينعمون بالزمن الجميل ولا بلحظات السعادة الفارقة
لقد قتلت براءة شيماء العدنية وحشية الحيوان الذي يكشر أنيابه فينا وقتلت فرحة أطفال شاطئ غزة وحشية النار والانتقام وقتلت ابتسامة أطفال عمران وحشية الهدايا التي يصدرها أعداء الله والإنسان وأعداء الحياة الذين يتاجرون باسم الله وباسم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يجدون ذواتهم إلا في العبوات المتفجرة والأحزمة الناسفة وفي الموت والدمار والخرائب والأطلال.
يغادرنا رمضان ونحن أكثر ما نكون عجزا عن الفرح والسعادة نرى الزبيب فيستعصي علينا ونرى اللوز فيشيح بوجهه عنا ونرى البياض فيصرخ في وجوهنا كيف تلبسني وبيت فلان من الناس في حداد دائم.. الفقراء يذرفون الدموع على الأرصفة.. المساكين يقطنون بيوتا من وجع ويتوسدون الألم.. الحياة أصبحت قطعة نارية.. لكن الساسة في هذا الوطن لا يشعرون ويصرون على القتال ويصرون على الحرب ويصرون على الدمار يصرون على الموت وقتل الفرح في قسمات الأطفال والسعادة في نفوس الكبار.
ألا بعدا لساسة اليمن والعالم إنهم قوم يدمرون الحياة ويقتلون الأطفال ويسرقون السعادة من نفوس الكبار.. إنهم قوم لا يفقهون.

قد يعجبك ايضا