رمضان شهر القرآن
الشيخ/ياسين محمود عبدالله أحمد
رمضان شهر القرآن ولذا تعظم في هذه الأيام الصلة بكتاب الله عز وجل تلاوة واستماعا وتدبرا وانتفاعا لأن القرآن الكريم دستور الأمة الذي جعله الله عز وجل ضياء لها يبدد كل الظلمات وجعله منهاجا يعصمها عن الانحرافات وجعله حياة لقلوبها ونورا لعقولها وتقويما لسلوكها وجعل فيه خير الدنيا والآخرة بإذن الله عز وجل يقول الحق جل جلاله في هذه النعمة العظيمة والمنة الكبيرة (أن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا).
إن هذا القرآن يهدى للتي هي أقوم على إطلاق هذا اللفظ فهو يهدي للتي هي أقوم في شأن الفرد والمجتمع والأمة يهدي للتي هي أقوم في شأن الاقتصاد والحياة الاجتماعية والحياة التعليمية وفي كل ضرب من ضروب الحياة يهدي للتي هي أقوم فيما يتصل بالقلوب وفيما يتصل بالعقول وفيما يتصل بالألفاظ والكلمات والحركات والسكنات وفي كل شيء يتصل بالإنسان في هذه الحياة.
ويقول الحق جل وعلا في سياق المنة على هذه الأمة المحمدية) وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) هو شفاء للأمراض والأسقام الحسية المادية وهو شفاء لأمراض القلوب وعلل النفوس وأخطاء الأهواء.
فهكذا جعله الله سبحانه وتعالى لمن آمن به واتصل وتدبر معانيه وأخذ بأحكامه وهو رحمة الله سبحانه لهذه الأمة بل هذه البشرية كلها لأنه سبحانه وتعالى هو العليم بخلقه قال تعالى “ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير” القرآن هو روح الأجساد فما قيمة الجسد إذا سلبت منه الروح إن الجسد إذا فارقته الروح أنتن وأصبح جيفة تعافها النفوس وتوقف فلا حركة ولا انطلاق ولا عمل ولا إنتاج والقرآن حقيقة هو حياة القلوب إذا سلبت منه الروح مات القلب ويغدو الإنسان ميتا وإن كان يدب دبيب الأحياء لأنه حينئذ يخبط خبط عشواء يتردى في الظلمات ويوغل في الشهوات والمحرمات ويغرق في الانحرافات ويغوص في الملذات فيغشى ذلك على قلبه ويعمي بصيرته ويطفئ نور الإيمان في نفسه فيغدو حينئذ كما أخبر النبي “ص” قلبه كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه “فهو النور والضياء والرحمة ففي صحيح البخاري ما يخبرنا به النبي “ص” عن أول نزول الوحي عن اللحظة التي اتصلت فيها الأرض بالسماء عن أول شعاع لتبديد الظلماء يخبرنا النبي “ص” أن جبريل جاءه وهو في غار حراء حيث كان يخلوا بنفسه يتأمل ملكوت الله عز وجل يتحنث الليالي ذوات العدد كما في حديث عائشة رضي الله عنها فجاءه جبريل عليه السلاح فقال له اقرأ فقال ما أنا بقارئ حتى قال في الثالثة “اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم على الإنسان ما لم يعلم” فكان هذا النزول يدل على عظمة ما في هذا القرآن من رسالة وعلى عظمة ما فيه من آداب وأحكام وتعليمات وإرشادات ولذلك على هذه الصورة من الشدة ومن القوة حتى الكتاب قلب المصطفى لحمل هذا الكلام الرباني العظيم وهكذا كما قال الله لحيي “يا حيي خذ الكتب بقوة” فليس أمر القرآن سهلا حتى نتهاون فيه وهكذا بذرت البذرة الأولى في رسول الله “ص” وهو تعلق قلبه بالقرآن فكان يسابق الوحي بترداد الآيات رغبة في حفظه وضبطه حتى نزل قول الله تعالى “لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه” ثم إن النبي “ص” لم يكتف بهذا التلقي وإنما كان ينشر هذا القرآن فيتلوه في الصلوات ويعلمه للصحابة كما قال ابن مسعود رضي الله عنه حفظت من فم رسول الله “ص” سبعين سورة من القرآن (النبي “ص” قائد هذه الأمة والذي كان عنده من المهمات العظيمة كان يجعل من وقته جزءا يعلم أصحابه كتاب الله عز وجل ولم يقتصر على ذلك فكان النبي “ص” يحب أن يستمع إلى أصحابه القرآن روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي “ص” لقيه وقال له لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود وكان يأتي وينصت إلى قراءة أبي موسى الأشعري رضي الله عنه لأنه كان حسن الصوت جيد التلاوة وفي بعض الروايات قال أبو موسى الأشعري لو علمت أنك تسمعني لحبرته لك تحبيرا” ولذلك جعل الله الخيرية في هذه الأمة حمل كتاب الله العظيم وحفظه قال صلى الله عليه وسلم خيركم من تعلم القرآن وعلمة” خير هذه الأمة من كان مشتغلا بالقرآن الكريم وإن كان عظيما وإن كان ذو جاه أو سلطان فهذه سيرة أصحاب رسول الله “ص” ما شغلهم عن القرآن شاغل ولا صرفهم عنه صارف ثم إن النبي “ص” جعل التقديم في أعظم أمر من أمور الدين مرتبطا بالقرآن الكريم أعظم ركن بعد الشهادتين ركن إقامة الصلاة قال النبي “ص” يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله” وقال “ص” إن الله يرفع بهذا القرآن أقواما ويخفض آخرين فالرفعة في الحياة الدنيا وفي أمور الدين مرتبطة بهذا القرآن العظيم وقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام عندما انجلت عرفة أحد وجاء يدفن شهداء الصحابة كان يضع الرجل والثلاثة في قبر واحد فإذا جيء بهم سأل أيهم كان اقرأ للقرآن الكريم فإذا دل عليه قدمه في القبر ليعلم الأمة ويربطها بهذ