رمضان والكهرباء.. الصوم الشامل
محمدمحمد إبراهيم
ما أجمل أن يكون الإنسان اليمني أكثر تفاؤلا من اللحظات الأولى التي هل فيها هلال الشهر الكريم ! فقد تغير الجو تماما في مسار حركة السوق التجارية.. وبدوا كما لو أن مدخراتهم من سنوات أزفت في الخروج من جحورها.. لشراء بضاعة الكساد.. فمعارض الأسواق السوبر ماركات تزدحم حد الاختناق.. لكن يوم الجمعة الماضي كان غير الثلاثة الأيام التي مضت حركة واصطفافا أمام المحال التجارية فكان عصر يوم الجمعة الماضية هو بداية ذروة سوق جديدة في كل مكان..
دار الإفتاء اليمنية توجت هذه الذروة عندما أعلنت أن السبت هو أول أيام رمضان المبارك ليبدأ مارشال الذروة الأكثر صبغة برائحة رمضان إنها الأمسية الترحيبية الأولى بطقوس الشهر الكريم.. أصحاب الجنون الكروي بكأس العالم لكرة القدم يعممون فرحهم وابتهاجهم وحماسهم فيما هواة السمر والقراءة الفكرية والثقافية والعلمية يسرجون مجالسهم بوهج المعرفة أما التجار فيخرجون ما تكدس من بضائعهم على مدار السنة على عرض الشوارع العامة والأرصفة المفتوحة دون اكتراث بنتائج أمراض التسمم التي تشهر شرها الموسمي الحاد على الأسرة اليمنية..
إنها الأمسية التي استعدنا فيها الذاكرة العجöلة لعام مضى متمنين أن يكون رمضان هذا العام خاليا من حروب المساجد والجشع التجاري ونوازع الشر المستطير ومتوجا بالضياء والنور والبهجة والسرور والروحانية والحبور وأن يكون خاليا من منغصات أخبار الاعتداءات على الكهرباء وأنابيب النفط وبيانات تنظيم القاعدة وحوادث المرور المؤلمة وجدل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية التي فقستها السياسة دون رحمة لتنقل لغة الشارع إلى التقنية الحديثة والطبقة النخبوية اليمنية..
كانت اللحظات الأولى بعد إعلان البيان عامرة بالفرح والبهجة والأصوات التي تعمر المدينة بتراتيل تراويح أولى ليالي رمضان وكانت أيضا مفعمة بالبشر العريض بأجواء الأمن والسلام كهرباء موجود ماء موجود كل الممكنات تكاد تكتمل لولا الأخبار السيئة من جبل المحشاش بعمران التي تفيد بتواصل خرق الهدنة مرة تلو أخرى وكذلك تداعيات ما ترتكبه القاعدة من جرائم بالاعتداء على الجند والممتلكات العامة والخاصة في سيئون..
في خطوات زادت بهجة اللحظات سرعتها كادت الساعة أن تشير إلى الحادية عشرة ليلا ولكنها لم تصل إلى : (11:00) تماما إلا وشارع الزراعة بالكامل وجزء كبير من شارع الرقاص والرباط وحوارى وشوارع عامة أخرى جميعها يغط في الظلام الدامس لتنهض من توها أصوات المولدات وتقتل دون رحمة كل شيء جميل في هذه الليلة الرمضانية..
يا لها من تعاسة وحزن ووجع.. متى ستغادر اليمن مربع البؤس والحرمان والإغراق المتعمد في الشر..¿ بل متى سيعي اليمنيون الفارق بين عملين أحدهما شر حياتهم ومماتهم والآخر خير حياتهم ومماتهم..¿ الأول: الإدراك أن الأمم لم تتقدم إلا في ظل سيادة القانون والإيمان بالتنوع والقبول بالآخر ولا أحد أكبر من سوط الحق.. والعمل الثاني: الشعور بالاستحقاق الطبيعي بأن لهم حق العيش في وطن يستحقونه عن جدارة بماضيه المشرق وتاريخه العريق وأن هذا الاستحقاق مرهون بتنافسهم الشريف في مضمار بنائه.. وليس التفاخر بالقوة وأحمرار العين والدمار الذي يلحقونه به وبأنفسهم..
في هذا المساء المظلم كان أحدهم قد كتب في مواقع التواصل الاجتماعي تنبيها يؤكد فيه أن الكهرباء ستنطفئ تعبيرا عن فرحتها برمضان وأن على الجميع أن يمسك أعصابه فالدعاء مستجاب ولهذا يجب أن لا يطال الحكومة ووزارة الكهرباء فهذه جهات سيادية يجب الحفاظ عليها على لتقوم بمهمتها على أكمل وجه كما أن على الجميع تقدير الأحزاب والقوى السياسية التي تمر بظروف صعبة حيث تعثرت خطواتها في الوصول إلى كبرى المكاسب السياسية وهي السلطة بسبب استمرار الوفاق الوطني الذي يقتضي تعايش الجميع وهذا قضى على الشعار الباطن الذي ترتله القوى السياسية العتيدة والمخضرمة والمتفتحة : “لا سلطة إلا لك وحدك”.. والذي يعتبر الجذور الرئيسة للشعار الظاهر: ” من أجل بناء الوطن”..
أغتيل الضياء في معظم العاصمة صنعاء لكن الجميع مستمرون في الحياة بالمولدات أو بسلك من عند الجيران وبطاريات الهواتف ليتابعوا كأس العالم والقرف السياسي اليمني حتى الصباح وكل هذا الظلام الدامس.. لا نعرف متى أفاقت الكهرباء من غيبوبتها لكن البعض ذكر أنها أفاقت في أحياء الزراعة على تمام السابعة صباحا تقريبا والجميع يغطون في نموهم الرمضاني المثقل بسهر أول ليلة رمضانية ولكنها غيبوبتها حسب معرفتهم عا