لماذا الحاجة إلى النقد¿!
كتب/محمد صالح الجراد

لا يلتفت الكم المتسارع من الإنتاج الأدبي (شعرا وسردا) إلى النقد بكونه أحد أطراف العملية الإبداعية الأدبية بل وأهمها وأبرزها بما يشكله من دور الضابط والموجه وبما يمثله من دور في تقويم وفرز المنتوج الأدبي وغربلة تجاربه واشتغالاته وعند غياب أو تراجع هذا الظرف (ولسنا هنا بصدد هذه الجزئية) تتكشف الأهمية القصوى لوجوده إذ يتبدى مشهد النتاج الأدبي على حال يصعب التعرف على السمين من الغث ويحدث أن تتأثر التجارب الأدبية المبدعة والحقيقية داخل وسط يشجع على تصدير الأشكال غير الحقيقية في مشهد الإبداع الأدبي.
في وقت سابق كان «ثقافي الثورة» قد ناقش موضوعات ذات صلة بالنقد الأدبي وغيابه داخل حركة نشطة ومتسارعة من الإنتاج الشعري والسردي ثم الجهد الأكاديمي في هذا المضمار.
ويبدو من الأهمية إتاحة النقاش عن النقد الأدبي كأحد أطراف العملية الإبداعية الأدبية واستدراكا لإجابة عن سؤال يبدو هو في مقدمة كل الأسئلة التي تتفرع عن مشهد النقد الأدبي عموما, هذا السؤال يتمثل في: مدى مساهمة النقد في إثراء وتطوير التجارب الأدبية والإبداعية¿
قوة النقد.. قوة الإبداع
توجز الشاعرة والناقدة الدكتورة ابتسام المتوكل استاذة الأدب الحديث بجامعة صنعاء رؤيتها حيال الأهمية لوجود وفاعلية النقد بوصفها, للاشتغال النقدي على التجارب الأدبية والإبداعية بالرافد القوي لإثراء الأدب والإبداع وترى في العملية النقدية (إبداعا موازيا يغني الجانب النظري للممارسة الجمالية التي تتجلى في الأدب أو سائر الأشكال الإبداعية).
وتؤمن المتوكل بحقيقة «قوة النقد التي تؤدي إلى أمرين وجود ثراء إبداعي ونتاجات أدبية لافتة من جهة ومن جهة أخرى العمق الفلسفي الذي هو المشغل الحقيقي لأي نظرية نقدية».
إن عافية الرؤى النقدية بحسب الشاعرة والناقدة ابتسام المتوكل – سوف تؤدي بلا شك إلى عافية المشهد الأدبي لتشير في هذا السيان إلى «وجهة نظر نقاد نظرية التلقي التي مفادها: لا يمكن تحقق النص جماليا إلا عبر قارئ واحد هو القارئ الخبير أي أنه القارئ الناقد للعمل الذي يشغل النص وهو قبل عملية قراءته ليس أكثر من آلة كسولة بحسب تعبير أمبرتو إيكو».
توافق وتوازي
ولكي نتعرف على المستوى القيمي الذي يمكن أن يسهم فيه النقد الأدبي في تطوير وتنمية الإبداعية يشدد الناقد الشاب صلاح الأصبحي على ضرورة «ترك مساحة كبيرة للنقد لكي يسهم بشكل فاعل في ذلك «مؤكدا أن ذلك ينبع من الدور الحقيقي للنقد نفسه ومن علاقة المبدع المنتج مع الناقد المنتج بقراءته المنتجة والمطورة للعمل الفني» لكن ما يلفت إليه الأصبحي هو أن هذا الدور المشار إليه سلفا لن يتحقق «إلا حين يكون المسار الذي يحكم العمليتين النقدية والفنية.. متوافقا ومتوازيا وحين تغيب الهوة بينهما أما إذا أختل هذا الشرط بين المبدع والنقد فإنه يغيب الإسهام تماما).
خطأ المبدع
الفكرة اللافتة في هذا الموضوع يثيرها صلاح الأصبحي ويحددها في التصوير الخاطئ للمبدع أن نصه الإبداعي فوق النقد وأكبر منه وأنه يخلق وجوده كما يشاء ولا يحتاج إلى تقويم نقدي ويشرح هنا مدى مضاعفة هذا التصور الخاطئ لدى كثير من المبدعين من إشكاليات نصوصهم فنا وتجربة تحت مظلة هذا الوهم مستدركا (فيما لو غاب هذا التصور لوجدنا عملية متكاملة ووجدنا إبداعا يلعب النقد فيه تطورا ملحوظا).
ولتلمس الأثر الذي يتركه النقد في مواكبة الانتاج والتجارب في الأدب والإبداع فهو في تقدير الأصبحي (بما يمتلك النقد من مقومات ورؤى حقيقية قائمة على وعي ومعرفة بطبيعة إنتاج كل شكل فني شعرا كان أو سردا).
ويبدي خشيته من غياب هذه العلاقة يقول: هناك انطباع سائد في المنتج الفني الذي ينقصه الكثير من الإبداع والفنيات والوعي ببناءاته وتشكيلاته.