الضغط والانفجار

جميل مفرح


حقق المواطن اليمني مستوى قياسيا في القدرة على الاحتمال والصبر وتجرع المرارات ومكابداتها وأثبت بجدارة متناهية حنكة نادرة في تعامله وتفاعله مع الأحداث والمتغيرات السياسية ونتائجها وآثارها التي من الطبيعي أن تنعكس عليه بسلبياتها وإيجابياتها كما أكد من ذلك وبه قوة بالغة في الإيمان بفكرة إعطاء الفرص والتغاضي عن الأخطاء وأحيانا الخطايا التي ترتكبها السياسة متعاملا معها على أنها زلات عرضية نادرة والنادر لا حكم له.. بهذا المستوى تعامل ويتعامل المواطن اليمني مع الأحداث المحيطة به متعلقا بقشة الأمل التي قد تنجيه وتنجي البلاد من مختلف المنزلقات الخطيرة.
* وبغض النظر عن صوابية أو خطأ هذا المستوى من التعامل لدى المواطن مع ما يدور حوله من مؤثرات ومؤشرات أبسطها ممعن في الخطورة فإن سلوكه هذا يعد سلوكا حضاريا راقيا ومحترما للغاية ويجب أن يقابل بما يوازيه ويماثله من الاحترام والتقدير والتحضر في التعامل خصوصا من قبل من يديرون الألعاب السياسية في البلاد أو من قبل الجانب الرسمي المتمثل في الدولة على اعتبار أن الدولة كيان شامل عام لا يمثل طرفا من الأطراف ولا ينحاز لتوجه من التوجهات السياسية التي تخوض اليوم مغامرات وطلعات سياسية لا تكاد تخدم أحدا بالمرة وإن تراءى لهذا الطرف أو ذاك أنها تخدمه وتصب في صالحه.
* ثلاث سنوات مرت وأكثر على هذا المواطن وهو يتجرع ويلات الأزمة السياسية وآثارها المخاوف التي تصدرها وتجددها من يوم لآخر ومن لحظة لأخرى والأحزان التي تنتجها من حادثة لحادثة ومن مستجد لآخر.. ثلاث سنوات لم يذق خلالها هذا المواطن لذة الأمان ومتعة الشعور بالسعادة وتحقيق الإنجاز.. لم ينل تلك المشاعر التي هي حق له على كل من يديرون السياسة وأعمالها.. ثلاث سنوات وهو يرفع راية الترقب والانتظار ويلوح بكفوف الأمل والتفاؤل بالأفضل إلى أن يشعر في معظم حالاته وكأنه مسافر تاه قاربه البسيط في عرض محيط شاسع لا من يرى زفرفات راياته وتلويحات كفوفه أو يسمع نداءاته وصرخاته.
* الحقيقة وإن كانت مرة إلا أن الأجدر بها أن تحضر وتعلن عن نفسها ومغالطة الواقع ومحاولة توشيته بالزيف المؤقت الباطل الماحق بات اليوم أمرا مجرد ممارسته ومحاولة تصويره كواقع معاش ضربا من جنون مفرط فالمواطن اليمني اليوم لم يعد هو قبل عام وعامين وثلاثة أعوام ولم تعد تنطلي عليه مسرحيات وسكيتشات السياسيين التي غدت مملة باعثة على السام والاحتقار والاستهانة لديه بل وصارت مدعاة غضب شديد ينضاف إلى آثار ونتائج هذه الاحتقانات السياسية التي تفعل فعلها الفادح في مشاعر ومواقف المواطن بأثر تراكمي خطير لا يستهان أبدا بما قد تكون عليه آثاره ونتائجه في أية لحظة من اللحظات أو موقف من المواقف أو متغير من المتغييرات والأحداث.
* عموما .. يلوح تساؤل مهم في الفترة الراهنة التي يجب أن تكون فترة حصاد للمواطن بعد ما مر به الوطن من اختبارات صعبة المراس والاحتمال.. ويكمن ذلك التساؤل في اختبار مدى التحمل الذي يستطيع المواطن أن يحققه بعد.. فهل ما يزال لديه مساحة تتسع للمزيد من التراكمات والضغوط وقدرة على مواصلة الاحتمال والتعامل العفوي المتسامح مع الظروف السياسية والاقتصادية ومع من يريرونها ويوجهونها ويتحكمون في صياغة وتفعيل مستوياتها¿
* وبطرح التساؤل الوارد قبلا تنبري إشكالية غاية في الأهمية تتلخص في التساؤل الملح: هل ما يزال المواطن قادرا على احتمال واقعه المعاش اليوم¿ وماذا سيحدث كنتيجة حتمية أو متوقعة لإضافة مزيد من المتاعب والمصاعب في خارطة حياته اليومية¿ وعلينا بل على من يمسكون بزمام المبادرة وقيادة دفة البلاد اليوم أن يتعاملوا مع المواطن هذا على أنه مخلوق بشري له طاقة معينة محددة من الاحتمال وإمكانية التعايش وأن يؤمنوا حقا بفكرة أن الضغط يولد الانفجار.. ما لم فإن علينا جميعا في هذه المساحة الجغرافية المجهدة أن نمسك على قلوبنا وألا نتوقف عن الدعاء بالصلاح وتجنيب البلاد كوارث وويلات السياسة.. والله من وراء القصد والمرام.

قد يعجبك ايضا