الانتماءات الشيطانية..!!

خالد القارني


أتمنى من كل قلبي أن تكون تقديرات معطيات الواقع اليمني الراهن الدالة على إمكانية اندلاع حرب أهلية طاحنة جديدة خاطئة غير أن هدير “البرموص” البريموس آلة النار الزرقاء التي تزداد اشتعال كلما زاد حركة عمود ضغط الهواء تبث سموم الكراهية بين أبناء المجتمع بصورة مرعبة وصوت مزعج لا يسمح لأي من آلة السلام والاستقرار أن تعمل.
قبل ما يزيد عن عشرين عاما ارتضى الشعب اليمني الموحد بمبدأ التعددية بدلا من تعدد الصراع التي تسيدت مرحلة ما قبل الوحدة إيمانا بها للتعايش والتنوع طالما بقية في إطارها الطبيعي من دون انعكاسات سلبية لها تبقى عامل صحة وسمة من سمات الرقي والتحضر.
واستبشر الناس خيرا بهذه الحقبة الجديدة لكن الواقع كان له قوته ومنطقه خاصة مع بد تلاشي فرحة الحدث “الوحدة “وظهور استحقاقاته حينها اكتشف الجميع أن القول بالتعددية السياسية والفكرية بشكل مجرد لن يكون بمقدوره تجاوز الانتماءات القهرية كالانتماء للمذهب أو القبلية أو المنطقة أو للعائلة أو لأي اتجاهات يتربا عليها الإنسان منذ نعومة أظافره إلى الانتماءات الطوعية التي يختارها الإنسان بقناعته الذاتية الحرة بعد إدراك عقلي وعلمي مستقلين.
لم يقرا الكثير منا تلك المقولة الفلسفية المعروفة :” لكل امرئ دينان: دين ظاهر شكلي ودين حقيقي هو الذي تكرس حياتك من أجله” وفيها نستبين مدى عجز الدول المتعاقبة عن خلق ثقافة الانتماءات الطوعية أو الاختيارية ولهذا السبب لم نر أية ثمرة ناضجة للتعددية السياسية والفكرية في بلادنا وظلت الانتماءات القهرية تذكي حروبنا الأهلية بمجرد تحريكها وتنشيطها كما آلة النار الزرقاء “البرموص” كانت تشعل الحروب حتى لا يكاد يمر علينا عقد من الزمن تقريبا إلا تصنع فيه وجبة من الجماجم البشرية.
إن المشكلة ليست في الانتماء لدين أو لمذهب أو لحزب بل عندما يتحول الانتماء إلى ولاء مطلق لا ينحاز فيه المرء للحق وإنما ينحاز إلى انتمائه مهما كان شكل انتمائه أكان يمثل الحق أو الباطل أو ذات مواقف صحيحة أو خاطئة أو سلوك إيجابي أو سلبي. وهذا بعينه ما نسميه بالتعصب الأعمى الشيطاني لغته العاطفة لا العقل مما يتسبب في ظهور مشاكل اجتماعية وسياسية مستمرة ويعم الهرج والمرج ويتم التعدي على الكثير من الحقوق وتنتهك الحرمات.
وغالبا ما أدت هذه الانحرافات والتجاوزات على الآخرين إلى فقدان المواطن الثقة بجميع القوى السياسية والاجتماعية والدينية وفقدان الثقة ببعضها البعض ولله در الإمام علي وكرم الله وجه القائل:” أعجز الناس من عجز على اكتساب الإخوان وأعجز منه من ضيع من ظفر به منهم”.
إننا لن نستطيع أن نخفض من وتيرة العنف ولن نستطيع أن نوقف عجلة التصادم المتوقعة إلا إذا بذلنا جهدا صادقا حثيثا لخدمة هذا الوطن وإخراجه من كربته باعتباره يمثل انتماءنا الكبير الذي يتسع صدره لكل انتماءاتنا الصغيرة وأن ننظر إلى التعددية كموجبة للتنوع لا موجبة للصراع سواء كان تنوعا مذهبيا يعترف بوجود المذاهب الأخرى داخل المجتمع الواحد ويحترم ما يترتب عليه من اختلاف ويتضمن الإقرار بمبدأ أن لا أحد يستطيع نفي الآخر في ظل سيادة دولة القانون أو كان تنوعا سياسيا وفكريا. عندها فقط نكون قادرين على تجاوز الصعاب الماثلة وأن نكون أكثر حيوية وإنتاجا وتطورا أما الإصرار على القهر والإكراه من أجل أن يحقق طرف أهدافه فتعني تقسيم المجتمع عرضا وطولا واستمرارا لظاهرة التعصب الأعمى الشيطانية كحالة مرضية خبيثة لا شفاء منها أبدا.

قد يعجبك ايضا