في سبيل الثقافة والإبداع

محمد محمد الأشول

كثيرة هي الأزمات التي تطحن مجتمعنا بمختلف فئاته وتكويناته بدرجات متفاوتة الشدة والتأثير والنتائج وما يهمنا هنا والآن هو الحال المأزوم الذي يعاني منه المثقفون عموما والمبدعون خصوصا وتمثل الأمر بانحسار شديد لتيار الثقافة وتراجع خطير لنور الإبداع وتوقف مثير للفعل الثقافي وغياب دور المثقف من المشهد العام وسلبية مواقفه إزاء قضايا البلاد والعباد وانسحابه من الساحة السياسية.. فخفت صوت العقل وغاب المنطق ونام الضمير بمقابل ارتفاع صراخ دعاة الجهاد وصخب تجار السلاح ودوي طبول الحروب وأبواقها.
لقد تضرر من هذا الوضع المجتمع اليمني برمته بما فيهم المثقفون والمبدعون الذين كانوا الأكثر تضررا والأجد معاناة والأحر حزنا والأشد ألما, ولا يملكون شيئا يخفف عنهم وطأة الحال أو يسد رمق العيال وليس بإمكانهم القيام بأي فعل يدرأ عنهم الخطر المحدق بالوطن باعتبارهم أفقر المواطنين على الرغم من أنهم يمثلون طليعة الجماهير ولسان الحال الشعب وضمير الأمة وذاكرة المجتمع.
مع هذا فإنني أرى اليوم بصيص أمل في استعادة الثقافة والمثقف استقرار الأوضاع بل اعتقد بأنهما سيحتلان مكانة مرموقة وسيلعب دورا فاعلا في تطوير البلاد. وذلك من خلال تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل باعتبارها سفينة النجاة إلى بر الأمان ويعول عليها إخراج الوطن والمواطنين من نفق الأزمات إلى أفق التوافقات تنتظرها على أحر من الجمر وينتظرها معنا الخيرون من الناس في العالم كله.
غير أن هذا لا يعفي المثقفين من التحرك السريع لتنفيذ مخرجات الحوار التي تناولت المجال الثقافي ولو باقتضاب وبذل الجهد لتشكيل رأي عام داعم وجماعات ضغط مساندة بهدف صياغة نصوص دستورية وقانونية تكفل للمبدعين كافة التمتع بالحقوق والحريات المدنية والفكرية وتسهل لهم سبل العيش الكريم وتساعدهم على صقل مواهبهم وإثراء تجاربهم ونشر إبداعاتهم وتوثيق إصراراتهم وتطوير مهاراتهم.
ولن يتأتى هذا الا بتكاتف المثقفين جميعا وبمساندة ودعم قوى الحداثة والتقدم ودعاة الحقوق والحريات والناشطين الإنسانيين في الحكومة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تحقيق هذه التطلعات والآمال يتطلب من المثقفين سرعة إعداد مقترحات لنصوص دستورية ومشاريع قوانين تنفيذية ولوائح تنظيمية وتقديمها إلى لجنة صياغة الدستور الجديد.. ومن ناحية ثالثة ينبغي العمل على ترجمة المقترحات النظرية إلى خطوات عملية وذلك بالمطالبة بإنشاء هيئة عامة تعنى بشؤن الثقافة والإبداع ويتم تمويل نشاطاتها عبر صندوق يخصص لرعاية المبدعين على غرار صندوق رعاية النشء والشباب وما شابه.
أخيرا يبدو لي أن نجاح الأمر مرهون بجدية ودأب المثقفين وسرعة حركتهم لتحقيق هذا الهدف النبيل وذلك بتشكيل فريق عمل من أعضاء المنظمات الثقافية والإبداعية بحيث يمثل كل منظمة شخص واحد من ذوي الكفاءة القانونية وأصحاب العلاقات الواسعة على أن يكون عملهم تطوعيا وإذا تطلب الأمر نفقات مالية فتقدمها المنظمات حسب إمكانياتها أو يطلب التمويل من صندوق التراث.
والله من وراء القصد

قد يعجبك ايضا