حجة .. بين المسؤولية والسؤال

عبدالرحمن مراد

مقالة


 - خلال أيام الأسبوع الذي مضى كنت بمدينة حجة تلك المدينة الهادئة الوديعة التي تقع على ربوة مرتفعة وتعانقها الغيوم وتسبح في أفقها سحائب الأحلام شعرت وأنا أجول بنظري
خلال أيام الأسبوع الذي مضى كنت بمدينة حجة تلك المدينة الهادئة الوديعة التي تقع على ربوة مرتفعة وتعانقها الغيوم وتسبح في أفقها سحائب الأحلام شعرت وأنا أجول بنظري على ملامحها الندية وسحنتها الداكنة أن شيئا قد تغير وأن المدينة لم تعد كما كانت وأهلها أصبحوا أكثر ميلا إلى التوحش وأن الدم لم يعد بتلك الحرمة وبتلك القداسة في ثقافة وأخلاق الناس أصبح القتل هناك في تلك المدينة الهادئة والوديعة عادة واعتيادا فمنذ فبراير 2014م حتى اللحظة لم يتوقف نزيف الدم في مدينة حجة في فبراير كان الموقف لسياسي هو القاتل فالصراع كان بين طرفين طرف يدعو للاحتفال بالثورة وطرف ينكر مثل ذلك الاستفزاز وتحدث المواجهة وتكون النتائج قتلى وجرحى من طرف محسوب على المؤتمر الشعبي العام ثم تأخذ القضية مسارا اجتماعيا وآخر سياسيا وتغيب الدولة عن الحضور فلم تكن التداعيات إلا المزيد من سيلان الدم ففي مقر الاصلاح بحجة ينشب خلاف على خلفية قضية فبراير ويذهب ضحيته اثنان من أفراد الحراسة في صراع بيني وفي الطرف الآخر ينشب خلاف بيني ويذهب ضحيته اثنان وعدد من الجرحى وما يزال الجرح فاغرا فغياب الدولة هناك في حجة يجعل العقد ينفرط وإذا انفرط العقد صعب تنضيده ومن مؤشرات ذلك الغياب ما يحدث في النسيج الاجتماعي من اختلال في القانون الطبيعي والعام وما حدث بين عدد من الطلاب على خلفيه قروية فالصراع كان تعصبا قرويا وذهب ضحيته طالب في مقتبل العمر وعدد من الجرحى مثل ذلك لا يجعلنا نطمئن على روح السلام وعلى المدينة الوديعة والمسالمة وهي مدينة حجة فطاهرة التوحش التي تغلغلت في وجدان أولئك اليافعين إلى الدرجة التي تجعلهم يتلذذون بطعن زملائهم ويتمكنون من الفرار ولا تستطيع الأجهزة الأمنية ممارسة مهامها وضبط الجناة وتظل الحلقة مفتوحة وتظل الأرقام قابلة للتزايد وتظل العروق البريئة تنزف ولا يزال الدم يروي تراب الأرض في ظل شح الأمطار واصفرار الأرض وغياب الطمأنينة والسكينة والهدوء.
حجة ليست بالبلد العصي وليس أهلها متوحشين إلى درجة الاعتقاد بعدم القدرة على ترويضهم فهم من أولئك الصنف الذين يختلفون إلى درجة كبيرة في الموقف السياسي وفي الرأي لكنك قد تجدهم في مقيل واحد يتبادلون النكات والطرف وربما تحدثوا واجتمعوا في قضايا اجتماعية برؤية واحدة وبرؤية واحدة وبروح تضامنية يكون المكان هو الرابط الأساس فيها وما يحدث اليوم في ذلك المكان لا أظنه أمرا طبيعيا فهو لا يتسق مع طبيعة الإنسان ولا مع مكونه النفسي والثقافي ولكنه قد يكون الظل لكل الأحداث التي عصفت وتعصف باليمن فالإنسان بطبيعته يؤثر ويتأثر وغياب الدولة وتراخي قبضتها إلى درجة الشعور بالعدمية والفراغ وبالغياب الكلي قد يحدث متغيرا سلبيا ستظل تعاني منه أمدا طويلا إذا لم تتداركه السلطة السياسية والسلطة الثقافية والاجتماعية بمختلف المستويات فالقضية تبدو من الخطورة بالمكان الذي يجعلنا نضعها على طاولة الاهتمام والنقاش للنظر في الأسباب والمسببات والتحليل للخروج بصيغة جديدة تشذب عوامل التوحش وتعيد تهذيب النفس الإنسانية العاشقة للحب والسلام والحالمة بغد أفضل.
ما يثير فضول السؤال هو أين كل أولئك الناس فالمجمع الحكومي بداخله أكثر من 15 وكيلا مساعدا لكنني لم أجد من كل ذلك العدد أحدا يشعر بالمسؤولية الوطنية ولا أحدا يثير سؤال المسؤولية الوطنية قيل لي وأنا أبحث عن قائمة طويلة من المسؤولين وأحاول التهاتف معهم ولا أحد يرد على الهاتف وعلى الرسائل إن سؤال المسؤولية الوطنية أصبح في سبات عميق والكل لا يرى نفسه مسئولا عن الدم المسال كل يوم في حجة والبعض يرى إن حال التوافق أحدث قدرا عن الانفلات والتراخي والكثير من المثقفين يرون غياب المحافظ عن المحافظة وتعطيله للاجتماعات الدورية للمجلس التنفيذي والمجلس المحلي وغياب التواصل والاتصال والمتابعة وتراخي المحافظ ولا مبالاته في إدارة شؤون المحافظة التنموية والإدارية والأمنية قد يساهم في خروج حجة عن دائرة سيطرة الدولة وشواهد التاريخ في مثل ذلك كثيرة.
وللمرة الألف أقول أن حجة هي المفتاح السحري للعاصمة صنعاء وليس القبائل المحيطة بصنعاء هذه هي لغة التاريخ وقانونه ووجود قيادة وطنية واعية ومثقفة وتوافقيه تسد الفراغات وتعمل جاهدة على تعزيز حضور الدولة أصبح ضرورة وطنية إذا أردنا لهذا الوطن الاستقرار والخروج بوتقة الصراع ودورات الدم التاريخية وزبدة القول حجة تريد مسؤولا يشعر بمسؤوليته ويثير سؤال المسؤولية.

قد يعجبك ايضا