النكبة الأم

جمال الظاهري


 - 
النسبية الايجابية في حقيقة ما نسمعه تعتمد على مستوى القوة التي يملكها المتحدث أو المحاور أو الشريك, وفي هذا الحال فإن الوضوح التام مفقود في الخطاب والمت

النسبية الايجابية في حقيقة ما نسمعه تعتمد على مستوى القوة التي يملكها المتحدث أو المحاور أو الشريك, وفي هذا الحال فإن الوضوح التام مفقود في الخطاب والمتمعن والمتابع يستطيع إدراك ذلك من خلال زئبقية الكلمات للجمل والإشارات الدلالية عن موقفه من أي قضية, ما يعني أنه حتى اللغة تتعرض للاحتيال واللعب بمدلولاتها.
مثلا حين يأتي الحديث عن سيادة القانون وعدالته فكل طرف له مفهوم خاص .. فهذا يراه يمثل حاجة للدولة (النظام) ويخدم مصالح من هم في السلطة والآخر غير الممثل في السلطة يرى أنه يجب أن يكون رقيبا عليها ومحاسبا لمن في السلطة (الشرعية) هذا يراها شرعية دستورية, وآخر يراها شرعية جماهيرية أو شعبية, وغيره يراها ثورية, وغيرهم يراها فقهية عقائدية, وصولا إلى من يعتقد أنها صناعة تكتسب بالقوة أو بالفوضى والميادين والتخريب (شرعية) تهديد وجودي لمن ينازعه إياها أو لوجود كل ما يمثل الحياة بما فيهم الطرف نفسه الذي يقامر بكل شيء.
إن الاستمرار في إنكار حقيقة وجود من يختلف معنا أو تتقاطع مصالحه مع مصالحنا إنما يعبر عن حالة من عدم التوازن وطغيان الانانية المقيتة, وكما يبدو فإننا ننسى بسرعة كل ما نتعلمه فها نحن لم نستفد من نتائج وعبر الماضي ولا من سطور التاريخ المدونة, والتاريخ مليء بمثل هذا السلوك وهذه المغالطات ..
الأدهى من ذلك أن الجميع يعرف هذا التاريخ ويعرف كيف تم صناعة أحداثه والحيل التي مورست في تلك العصور.. بل ويستطيع أن يسمي من كان على صواب ومن الذي تلاعب واحتال وزور التاريخ, ولكن في نفس الوقت حين يجد نفسه بغير حجة فإنه يستعين ويستمد غذاء غوايته من سلوكيات محتالي الأزمنة البعيدة التي حشرت لها الكتب والسير مبررات ومسوغات ما انزل الله بها من سلطان وهو يدرك عدم حجيتها, ومع هذا فإنه يتمسك بها ويبتدع البدع من اجل شرعنتها وجواز اللجوء إليها..
تاريخنا وبالذات إن استحضرنا المفاصل الرئيسية التي رسمته فإننا سنجد أنفسنا أمام تاريخ ليس ساطعا كما قلنا وكما يطيب لنا أن نصوره لبعضنا البعض أو لغيرنا, وليس بريئا من كل الشوائب كما ندعي حين نجد أنفسنا واقعين في محنة الفشل الملازم الذي غطى حياتنا, ولذا نلجأ إلى التزود ببعض فتراته المزدهرة ولا أقول الناصعة البياض لأن هناك فرقا بين أن يكون تاريخك ناصعا ونقيا وإنسانيا وبين أن يكون حضارة توسعت وازدهرت في حقبة ما .. لأن مقومات الازدهار والسيادة والنفوذ ليست دائما متسقة مع مقومات الإخلاص والإنسانية والرقي والأخلاق والبراءة والعدالة..
وهنا يكفي أن أشير إلى أحد أهم وابرز الأحداث التاريخية التي اختلط فيها الحقوقي بالعقائدي, والذريعة بالتدليس, والتلبس أو أريد لهذا الالتباس أن يكون حاضرا كي يتم التلاعب بالجانبين الشرعي والأخلاقي, والاستحقاق بالغلبة..
(الفتنة الكبرى), ويمكن تسميتها (النكبة الأم) في التاريخ الإسلامي التي حدثت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان وما تلتها من مسرحية (التحكيم) التي اقترحها البعض بين الإمام (علي بن أبي طالب) و(معاوية) .. هذه الواقعة أسست لشرعية تتناقض مع فكرة وأخلاقيات التعايش بين البشر في حالتي الحرب والسلم التي جاء بها الإسلام وعمل على تأسيسها سيدنا رسول الله (محمد بن عبدالله) – صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار ومن تبعه وسار على هديه إلى يوم الدين –
هذه الحادثة وحدها نالت من قيم وأخلاقيات الشعوب وأصابت القيم التي جاء بها الإسلام وما كان يعتز به الإنسان العربي من شيم وأخلاقيات متوارثة بين أجياله بأخطر معضلة ولبس بين الحق والباطل بين السياسي والعقائدي بين الضرورة والتحريم .. بين المفسدة ودرءها .. وقد قال في هذا أحمد شوقي: إن ما يدفع الناس إلى ممارسة مثل هذه الأفعال التي تبدو مجنونة بمعيار اجتماعي هو الوحشة العميقة التي تعصف بحياتهم, وحالة العدمية والفقدان للهدف الذي يعيشون من اجله في عصر سيطرت الأوهام فيه على الوقائع, وبدت الحياة كما لو أنها مجرد رحلة عابرة, ما أن تنتهي حتى يسدل الستار على كل شيء.
النتيجة الحتمية لهذا الزيف كانت منطقية .. البلاد غارقة في حبال التدليس والكذب الذي لا يتوقف .. من في السلطة ما زال يصرف أماني من نفس خزينة من سبقه, ومن في المعارضة يلح وعند كل مناسبة في مطالبته بإشراكه في القسمة, صاحب القرار يشكي من الضغوط والابتزاز ومن أقصي يشكو ويطالب بالعدالة ويريدها مفصلة على مقاسه, والشريك يشكو من مخاتلة شريكه وعدم جديته والمواطن يدعو لهم بالصلاح على أمل أن يلتفتوا إلى مطالبه..
حال اليمن اليوم كتلك الأم التي تسعى لكسب ود جارتها الثرية عن طريق إرضاع طفلها مقاب

قد يعجبك ايضا