الشبابة
محمد المساح
بدت من قلب الليل نافذة تلألأت باللهب بالضوء المشتعل.. فتراءى أمام عينيه نهرا من الضوء سيعبره القلب في ثانية ويصل إلى شعلة اللهب وهناك أصدقاؤه الخلص يتدورون في جلستهم الليلية المعتادة.. امتدت الطريق خطا مستقيما بلا لفات ولا عطفات ولا ليات همست لقلبه الأشجار التي لا تنام بهمس محبوب يشا صوت خفيف أوراقها.. تبادل القلب معها حوارا.. هامس تحس بها تلك الكائنات والتي لا يحسبها البشر أنها مثلهم أيضا وذات إحساس مرهف لكنها تلك الأشياء والصلات الخفية التي يعقدها البعض النادر معها.. فيصبح الحوار حقيقيا ينبع تلقائيا بالإحتكاك المتواصل والمباشر وفي لحظات الصمت الجليل.. والسكون المتأمل في عمق الليل وعوالمه الحية..
هل أخيرا.. على حلقة أصحابه الأبالة.. رحبوا بالفتى الغريب الراحل في أمواج الغدرة اللاهفة أفسحوا له مكانا في الحلقة الليلية على ضفاف الضوء الخارج من قلب الخشب المحترق في كتلة النار.. ارتسمت ظلال من الضوء وظلال من الظلال في ملامح الوجوه والتي تسائل النار والليل الذي يتماوج حولها بحضور لا يلمس لكنه يحس باختلاجاته الخفية يعرفها أولئك المتوحدون مع الليل المسحورون بفتنته وصمته الناطق بلا كلام.
كانوا على وشك المغادرة إلى مراقدهم في العراء الليلي وأنفاس الإبل وهي تستجر وتلوك غذاء الرحلة النهارية.
لكن حضوره ورؤيتهم الشبابة الجرع.. تتوسم حقوه خلف الحزام.
أيقنوا أن الليل الباقي سيبهج القلب وسيرحلون وهم في جلستهم حول الوقيد إلى عوالمهم المواضعة حيث ينتش الفؤاد نشوته الطائرة يحلق في البعيد يرقص في الفضاء.
لقد تعلم منهم شجو الشبابة وهم يعبرون في أيام الشتاء شعاب ذلك النكب الذي يستوي عليه الصبل الحجري.. والوالدة العجوز وصبيها الوحيد.
بعد أن استوى في جلسته غمره فيض من رضى النفس حين تقترب من قرينها وحينها يشدوا القلب أغنيته سرى في شرايينه اللبن الفوار الطازج رغوته والتمع الألق في عينيه .. ركضت أنامل يديه وابتهجت وهي تلامس ثقوب الشبابة.. تصاعد لحن استعذبه الليل وفتح الفضاء أفقه نوافذ طربت على شرفاتها النجوم.