الخسارات تعلن الحضور

جميل مفرح


 -  كثيرا ما يشكو البعض الظلم والإقصاء والتهميش وكثيرون جدا هم الذين اشتكوا وما يزالون وسيظلون يشتكون من فساد الحال وتواضع المآل وانقلاب الدهر وأهله وحتى من هم
كثيرا ما يشكو البعض الظلم والإقصاء والتهميش وكثيرون جدا هم الذين اشتكوا وما يزالون وسيظلون يشتكون من فساد الحال وتواضع المآل وانقلاب الدهر وأهله وحتى من هم في مكان التهمة والفعل ومن على أيديهم تجسد ويتجسد الواقع الفاسد والحال السيئ أصبحوا ويصبحون من يوم لآخر ضمن قوائم الشاكين من فساد الحال والواقع وهو ما يبعث على الدهشة من جانب وعلى الحسرة والألم من جانب آخر.. ففي ذلك دلالة واضحة دافعة على أن الزمن الحاضر أصبح زمنا زائفا وصارت الضمائر فيه غبارية والأحاسيس دخانية والقلوب صخرية مع إمكانية قبول تظلم الصخر جراء هذه المشابهة!!
* الإنكار.. وما أبشع الإنكار والتنكر حين يكون تجاه قامات وهامات كبيرة وكبيرة جدا قامات وهامات شكلت ويجب أن تظل تشكل ملمحا مهما من ملامح وتجاعيد الوطن الذي حفر نفسه في قلوبهم وملامحهم وسير حياتهم ونقش تجاعيده على وجوههم وظروفهم قدرا حتميا عاشوه وعاشهم أحبوه وعشقوا ترابه وهواءه وماءه فرد لهم العشق بأن كان صدرا لقلوبهم كما كانوا صدورا لقلبه النابض بهم وبانتمائهم وبعطاءاتهم السخية التي لا يمكن أن يكون لها ثمن عدا عشق الانتماء وإطلاقية الولاء والتضحية والعطاء على الدوام.. أولئك الذين شكلوا علامات فارقة بعطاءاتهم مسيرات حياتهم في تاريخ هذا الوطن هم من يجب أن نقف إزاءهم ونرفع لجمودهم مثل حراكهم ولصمتهم مثل صراخهم قبعاتنا إجلالا واحتراما إن لم يكن تقديسا ورهبة..
* أولئك الذين نرتكب كبرى جرائم الدهر حين نستكبر في حضورهم ويولي اهتمامنا مدبرا عن غيابهم ومناقبهم والذين نعلن النكران لهم أحياء وموتى وكأننا نعاقبهم على ما بذلوه وأعطوه لنا ولوطننا الكبير من عطاءات من العسير بل من المستحيل حصرها ومماثلتها ولو قضينا أعمارنا أضعافا يموتون كل يوم ولا نشعر بفقدانهم ويتأوهون ولا نستشعر حسراتهم وكأننا خلقنا من جلد قاس لا حياة فيه!! يا للحسرة أين ذهبت أدميتنا! وأين ما ندعيه من رقي في المشاعر أدباء كنا أو إعلاميين أو مسئولين أو حتى مواطنين عاديين!! ويا للحسرة كم نجيد الكذب والافتراء حتى على أنفسنا قبل أن نكذب ونفتري على القيم السامية والأخلاق الرفيعة تم على بني جنسنا وأبناء وطننا!!
* قبل أيام قليلة رحل الأستاذ القدير والمعلم الجليل الأستاذ عبدالله علوان الشاعر والقاص والناقد والأديب والنقابي الكبير والذي شكل علامة فارقة واسما مضيئا في سماء الإبداع والثقافة في المشهد اليمني رحل.. أي مات وقضى ومضى وحيدا في إحدى غرف المستشفى دون أن يشعر بمضيه أحد قضى منفردا يحيط به الفراغ وكأن لا وطن له ولا دولة تحتضنه وتحتضن عطاءاته وخلاصة فكره وجهده التي عصرها ومزجها بعرقه وتعبه وعمره الذي أفناه معطيا بكرم وسخاء قل ما يجاد به من سواه.. مضى والحسرة من حوله تشيعه منفردة ودموع من أحبوه عن قرب فقط تغسل له الطريق إلى مثواه الأخير!!
* يا للحسرة يا للندم يا للعار يا لضعف الطلب والأرب ونحن نرى مبدعا بحجم وطن يرحل رحيل الغرباء ويمضي حتى دون أن تشيعه تحية أو اعتراف بالذنب من قبل الجهات المسؤولة وعلى رأسها جهات معنية كانت ما أن تقيم فعالية أو تدير ندوة أو تنظم مهرجانا حتى تحتاج إلى حضور إبداعي ونتاج هذا الرمز الشامخ قارئا ودارسا وناقدا ومبدعا كبيرا من العار والخزي أن يمر من بين أيدينا أولا دون استدراك أو إنقاذ أو محاولة التمسك بمزيد من العمر بعلاجه ورعايته ثم يرحل مودعا الدنيا دون أن نلقي عليه سلاما أو نولي رحيله اهتماما..
إنها الحسرات تتوالى والعبرات المرة تتعالى على خسارة الوطن وخسارة الإنسان وخسارة القيم وخسارة العرفان وأيضا خسارتنا إياك يا ابن علوان!!

قد يعجبك ايضا