قرية لوركا
محمد المساح
عندما كنت طفلا عشت في قرية صغيرة شديدة السكون وزكية الرائحة في الوادي الخصب “بغرناطة”..
كل ما حدث بها وما شعرت به فيها يمر اليوم من خلالي يحجبه الحنين للطفولة والزمن.. أرغب في أن أقول ما شعرت به حيال حياتها وأساطيرها أريد أن أعبر عما حدث لي بمزاح آخر.. أتوق للتعبير عن التغيرات البعيدة لقلبي الآخر.. وما أفعله عبارة عن مشاعر خالصة وذكرى مبهمة عن روحي البلورية.. في تلك القرية ولدت واستيقظ قلبي.. في تلك القرية انتابني أول حلم بالأرجاء النائية.. في تلك القرية سأكون أنا الأرض والزهور.. شوارعها أناسها عاداتها شعرها.. وسيئاتها ستكون بمثابة الدعامة التي تعشش فوقها أفكار الطفولة المنصهرة في بوتقة البلوغ.. البيت الريفي الصغير ومطلي باللون الأبيض وتلثم الرطوبة جميع أركانه. مياه الأنهار عندما تتبخر تكسوه بغلالات من البرودة كأنها من الفضة والنيكل بحيث يبدو من بعيد عند طلوع الشمس وكأنه حجر كبير وثمين بعد ذلك في منتصف النهار يتلاشى الضباب وتراه نائما فوق غطاء من الخضرة برج الكنيسة منخفض لدرجة لا يمكن تمييزه عن البيت الريفي وعندما تدق أجراس الكنيسة يبدو وكأنها تفعل ذلك من باطن الأرض.. تحيط بالبيت الريفي أشجار الحور التي تضحك وتغني وتعد قصورا للعصافير.. وأشجار الصفصاف وأجمات العليق التي تطرح في الصيف ثمارا طيبة قطفها محفوف بالخطر عند الاقتراب منه تفوح رائحة الشمر والكرفس البري الذي يعيش في المساقي يقبل المياه في فصل الصيف تفوح رائحة القش التي تشكل في الليالي بصحبة القمر والنجوم وشجيرات الورد المزهرة ذاتا إلهية تبعث على التفكير في الروح التي صاغتها.. في تلك الليالي تتنهد الصبايا وهن يفكرن في العيون التي ستكون ضوء حياتهن في تلك الليالي يشعر الرجال بصوت أوتار القرار الدامية للجيتار..
“جار سيا لوركا” “مقطع من السيرة الذاتية”.