صنعاء ودروس (الفراكين)..!!

فتحي الشرماني


 - 

• الحديث اليوم عن صنعاء, تلك المدينة التي أصبحت مؤخرا موضوع جدل مغاير حول إمكانية دخولها على خط النار مباشرة, في ظل حروب تنشب على تخومها .. هو تحول غير مسبوق في الح

• الحديث اليوم عن صنعاء, تلك المدينة التي أصبحت مؤخرا موضوع جدل مغاير حول إمكانية دخولها على خط النار مباشرة, في ظل حروب تنشب على تخومها .. هو تحول غير مسبوق في الحديث عن عاصمة لها من الكبرياء ما لا يقبل أن يغدو مستقبلها تحت رحمة الآراء والتحليلات التي تتنازع مدينة طال عهدها بحروب الصمود أمام محاولات إخضاعها التي كان آخرها حصار السبعين يوما في 68م.
ربما هذا الحديث عن الخطورة المحتملة لا يحرöك في نفوس اليمنيين شيئا من الخوف على صنعاء, بسبب أن هذا الحديث لم يأتö دفعة واحدة تصنع الدهشة وتشكل الصدمة, وإنما مسألة تفجير الصراعات على ضواحيها هي التي تولت عملية التمهيد لفكرة (المعركة الحاسمة) التي هناك من يشتاق إليها, ويتوهم أنها ستأتي معركة تفرض نفسها على الواقع, وبالتالي تكون عملية الرفض والإنكار ضعيفة.
لكن الغريب أن قضية صنعاء في هذه المرة – وإن كانت القوى الزاحفة هي نفسها قوى الأمس والهدف هو الهدف – تنقسم حولها قوى الحداثة التي كانت بطل النصر في حصار السبعين يوما, بين حداثة الجوهر التي تحمل المشروع, وحداثة الشكل التي تبيع الكلام .. فاليوم حيال مدنية الدولة والموقف من السلاح وقضية الزحف نحو صنعاء تنكشف لعبة المصطلحات والتنظيرات والمقالات الرنانة التي كنا نتمتع بالتهامها مع رشفة قهوة بوصفنا حالمين ونحب أن نقرأ أحلامنا مكتوبة.
وبسقوط ورقة التوت عن بعض المواقف النخبوية تعود الجماهير اليمينة إلى موقفها البراجماتي المعروف من صراع الأيديولوجيات, وذلك حين تأنس هذه الجماهير إلى من تراه طرفا تستطيع الركون عليه بما لديه من موقف ثابت لا يغامر بمستقبل وطن, وهذا ما ينبغي أن تفهمه بعض الشخصيات التي أضر بها أشد الضرر ترحالها الدائم من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, والدخول في تحالفات على أسس انفعالية كيدية من منطلق أنها تحالفات ضرورية للقضاء على الطرف المناقض, فتأتي النتيجة معاكسة.
من الطبيعي أن تستغرب صنعاء هذه الآراء الناعمة التي أظهرت حقدا على مدينة كبيرة لا تقبل سوى أن تكون حاضنة لكل ألوان الطيف .. تستغرب صنعاء وهي تشم روائح المؤامرة تنبعث من صحيفة هنا وقناة هناك .. ألم يجدواغير صنعاء والمستقبل المنتظر ليفرغوا طاقات الحقد والكيد السياسي عليها¿!.
عرفنا اليوم مع صنعاء أن من صموا آذاننا بالحديث عن الدولة المدنية والنضال من أجلها هم أنفسهم من يهلل اليوم ويبارك اغتيال هذه المدنية في ساعة من نهار .. تعودوا أن يرفضوا كل شيء وحين جاء وقت الرفض الحقيقي ووقت إعادة الإنشاد مع عبدالعزيز المقالح: (وثأرتö يا صنعاء رفعت رؤوسنا بعد انكسار) جاءت حذلقاتهم في تسويق منطق القوة وهيمنة الجماعة المسلحة, وحتى إذا ماشعروابأننا غاضبون وصنعاء غاضبة حاولوا أن يفتشوا عن ضمائرهم وعن مبادئهم الأولى فلا يجدونها, وفي أقصى الحالات لا يخرجون بغير محاولة تمرير العتب على من يحمل السلاح بمنطق المشفق المحب, لا الاعتراض الذي اعتدنا أن نسمعه منهم, وكنا نعض عليه بالنواجذ من منطلق أنه ثقافة حضارية لن نتقدم إلا بها.
فهكذا إذن أدركنا أن ليس كل رعد ممطرا, وأن العبرة بالمواقف في ساعة الجد, حين تغدو صنعاء في نظر البعض أهون من جناح بعوضة .. وحين تصبح الليبرالية المزيفة خلطة سحرية من الأصولية والمذهبية والعبثية السياسية .. فكيف لنا حماية الليبرالية النقية من هؤلاء¿!

قد يعجبك ايضا