هزلية سوداء للدم
جمال حسن
• أن تكسب معركة أو عدة معارك لا يعني أنك كسبت الحرب”. والحروب ذات البعد الديني أو الطائفي تظل عالقة كثقل وخيم قابل للتفجر المستمر مهما كانت النتائج. فالطرف الذي يجد نفسه قادرا على توسيع دائرة نفوذه عبر فرز طائفي وهو ما يفعله الحوثي اليوم سيجد نفسه مثقلا بتبعات حقد كثيف. حقد جاهز للتعبئة عند كل لحظة يشعر فيها ذلك الطرف أنه حقق ما سعى له. فالانجازات الظاهرة تتخفى وراءها إخفاقات أفدح بما أنها مزهوة بالتنكيل وفرز المخاوف.
وهكذا يستمر بقاءه انفعاليا ومصطنعا كما هو عائم في جحيم من الشعارات والحافز العصبي المتجهم إذ أن بقاءه يتكل على حرب يبررها طائفيا وليس وطنيا ولا يعني ذلك أننا بحاجة لإعلان حروب وطنية في بلد يحتاج إلى الخروج من فزع الدمار.
لست مهموما أنا بالتنبؤ لمسار جماعة تحظى بفورة صعود مهما عنونا أسبابه فإنه بقدر ما فيه من الصلافة فيه من التيه وهذا لا يعني أن الجماعة لا تعرف ماذا تريد بل على العكس لهذا السبب تتجلى في التيه الوطني. أما عنوان تيهها ففي انفصالها عن الواقع إلا بما تراه ارتدادا للزمن وتجده قابلا للاستثمار انسلاخها عن إدراك وجودها ضمن آخرين حضورها في العقل السلفي -وإن أنكرته- إذ يجب أن نكون رعايا تمتلكهم وليس مواطنين لديهم حقوق حتى تلك النسبة الضئيلة من الحقوق التي صاغتها الجمهوريات المستبدة والفاسدة وادعتها فالحوثي يزعم امتلاكه الشرع الصحيح فكرة الولاية المزعومة حتى يوم الساعة كما صرح قائدهم منذ فترة.
وحروب الحوثي تعبر بصورة جلية انهماكهم في العنف المستعد للترحيل والإبادة. هل أكون مغاليا في ذلك¿ ربما لكن ماذا يعني ترحيلهم جماعات وتهجيرهم من المناطق. تدمير منازل أعداءهم بصورة تعيدنا إلى حروب ما قبل الميلاد حين يعاقب المنتصر أعدائه بهدم مدنهم وقصورهم وحتى معابدهم فالحوثي لم يسكت جماحه عن هدم مساجد السلفيين ومدارسهم.
ما تظهره الجماعة كميليشيا مسلحة يترتب أهميته بالنسبة لي ليس في تداعياته على الجماعة نفسها بل على البلد بشكل كامل. فاليمن المثقل لن تخرس جروحه أصوات البندقية بل ستدميها. والظاهر أن البندقية هي مشروعه وشعاراته مجرد غطاء للتعبئة. والبندقية وحدها لا تكفي من اجل بناء وطن. والوطن ليس حاضرا لدى الحوثي إلا كهلام يدعي امتلاك الشرع ووصايته الكلية بتكليف من الله. إن خطورة هذا المشروع بأن عنفه يبرره إدعاء حق الهي وبينما يوظف في مسرح القتال مقاتلين مع الوقت يصعب السيطرة عليهم فإن تحريمهم لسماع الأغاني لا يمنع من مصادرة تلفون أشخاص تحت ذريعة تفتيشه.
في الحروب الأخيرة توسع الحوثي ليس فقط في الأراضي التي فرض سيطرته عليها بل أيضا باستخدامه مقاتلين. وهذا بحد ذاته يعيدنا إلى مجموعة من القوانين السائرة بإمكانية أن تعمل أطراف داخل الجماعة لمصلحتها الخاصة. وإذا كان المقاتل أو المجاهد حسب ما يفضل الحوثيون تسمية مقاتليهم يمتلك إذنا الهيا فهو لا يكف عن تدنيس كل أشكال الحياة ويعتقد أن ما يفعله فضيلة. هنا تكمن خطورة الحوثي على اليمن إذ أن مفاهيمهم الضيقة والمتجهمة هي أيضا مسألة عرضية مع انتعاش الصراعات الطائفية.
وإذا كان البعض يعتقد أن المجتمع الدولي والولايات المتحدة سيعملون على حمايتنا من تلك الأشكال الغارقة في الماضي فإنه يخادع نفسه فالسياسة الأميركية تدعم الصراعات الطائفية. إذ أن الحوثي يتسلح بعزيمة الضغينة التي يمتلكها ضد الآخرين. استفاقة المخيلة القائمة على الدم والغارقة به. وهو ما يكرسها شعاره الموت لأميركا وإسرائيل ففي الحرف الأخير من كل عبارة تتشكل مفردة الدم. وهو ما يوصي به هذا الشعار الدم في كل شبر وكل بقعة سيدوسون عليه. وهو ما يقوم به مقاتلوه ثم يتحدث زعيم الجماعة بأنه يمد يد السلام ويردده أتباعه كآلات تسجيل. أنهم خطرون لأنهم هكذا يرددون ما يقال لهم كآلات لكنها قادرة على شحن الغضب بالعنف والضغينة إزاء كل شيء.