مرتكزات الثقافة لدى الجيل المعاصر
فايز البخاري

لم يعد هناك شك في أن وسائل التقانة والتكنولوجيا الحديثة صارت وسائل مهمة يعتمدها الإعلام حاليا بشتى الصورة المرئية والمسموعة والمقروءة وفي الوقت نفسه صارت هذه الوسائل مرتكزا مهما ووسائل فاعلة وأساسية ينهل منها الجيل المعاصر أبجديات ثقافته التي اختلفت عن الثقافات السابقة أو ثقافات الأجيال السابقة باختلاف وسائلها. ففي الوقت الذي كانت الأجيال تتعمد على الكتاب بدرجة أساس لتلقي الثقافة كانت مساحة التلقي محصورة بزاوية حرجة مقارنة بما صارت علية مساحة التلقي لدى الجيل المعاصر, الذي أصبح ينهل ثقافته من عدة وسائل تأتي في مقدمتها الشبكة العنكبوتية والتلفزيون الذي صار فضاء لا حدود له في ظل القنوات المتعددة والفضاء المفتوح. وبقدر الخدمات الجليلة التي تقدمها هذه الوسائل من سهولة في انتقال الثقافة وتقديمها بسهولة ويسر للجيل المعاصر من الشباب خاصة إلا أن هناك مخاطر لم تكن الوسائل التقليدية تستطيع القيام بها مثل الإثارة التي تتجلى في البرامج الإخبارية والمنوعات والأفلام والألعاب التي ترتكز وتركز على المشاهد العنيفة أو الاباحية التي تتحدى كل أشكال السلطة أخلاقية ودينية وسياسية وغيرها.. إنها تخترق حواجز الحياة الخاصة والحميمية وتكشف للعيان أكثر الأشياء سرية وتحفظا. وتسعى القنوات الفضائية التجارية نحو النفاذ إلى أكبر عدد ممكن من الناس عبر برامج المرح والتسلية والأثارة التي تشد إليها الانتباه وذلك لقدرتها على بناء عالم من المتعة والانشراح واللذة وبالتالي هي تتعالى بالإنسان عن واقعة اليومي لتحلق به في عالم الحلم برغد العيش وطيبه. تضاف إلى هذه البرامج الصور المشحونة بمحتوى عنيف حقيقي مع تركيز على المشاهد الأكثر هولا وقدرة على إحداث الصدمة الإدراكية. وتعتبر الإثارة الوسيلة الأساسية التي تستعملها القنوات التجارية لجذب المشاهد وشدة المتابعة لما تقدمة من برامج وتختفي رواء هذه المساحات الاعلامية صناعة يمكن أن نسميها صناعة الرغبات وتهدف إلى استقطاب الخبر قدر ممكن من المستهلكين عبر الإشهار. إن الثقافة التي تقدمها هذه الوسائل وتقدمها عبر برامجها المختلفة تقوم على عناصر مترابطة هي في مجملها عناصر إثارة تدفع المتلقي إلى المشاهدة والمراقبة التي تفرض الذوق الإباحي والميل إلى التعري الذي يشهد تطورا سريعا ويلقي رواجا واسعا في أوساط جيل الشباب المعاصر. ولعل الإعلانات التي صارت مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإثارة هي من الوسائل أو الأدوات أو البرامج التي تروج الثقافة الإثارة – إن جاز التعبير- حيث تقوم سيكولوجية الإعلان على بيع الاحلام وإثارة الرغبات من خلال مختلف اشكال الربط بين السلعة والصحة والجمال والجاه والشباب والمغامرة. وتعزز تأثير الإعلانات من خلال ما يسمى مبدأ الاغراق الادراكي أي تكرار الدعاية مرات ومرات حتى تحاصر المشاهد فتشغل ذهنه عن التحليل وتعتمد الانفعال والتأثير لتكون شبكة عصبية في الدماغ خاصة بالمنتوج موضوع الاشهار وتصبح قناة جاهزة تمر فيها المثيرات عندما يتعلق الامر بإشباع حاجة ما (العطش/ كوكا كولا مشروب الشباب) هنا يميل المستهلك عفويا إلى التوجه لشراء السلعة التي حدث إغراق أحاسيسه بها وهو ما يعرف في علم النفس بمبدأ صدراه الانطباع. وسائل الاعلام اليوم تملك قدرة فائقة على التأثير في تشكيل ثقافة الجيل المعاصر وخاصة الشباب من خلال تركيزه على صناعة الترفيه والتسلية التي تقدم إلى الناشئة على أنها مواد وبرامج محايدة تهدف إلى الهروب من أعباء الواقع بإحداث حالة من الاسترخاء والانتشاء المؤقت وهو ما يصوره أحد المؤرخين الامريكيين بقوله :” إن مفهوم الترفيه في تصوري هو مفهوم شديد الخطورة إذ تتمثل الفكرة الأساسية للترفيه في أنه لا يتصل من بعيد أو قريب بالقضايا الجادة في العالم وإنما هو مجرد شغل أو ملء ساعة من الفراغ والحقيقة أن هناك أيديولوجيا مضمرة بالفعل في كل أنواع القصص الخيالية فعنصر الخيال يفوق في الأهمية العنصر الواقعي في تشكيل آراء الناس”. إن تأكيد صناعة الترفيه على طابعها المحايد هو في الأصل ادعاء يخفي حقيقة مضامينها الموجهة والمحملة بالمواقف والقيم المبطنة التي ترمي إلى إعادة تشكيل الواقع وتصويره بالصيغة التي تناسبها وتخدم مصالحها التجارية. والمشكل في الأمر أن المادة الاعلامية المقدمة عبر الفضائيات من خلال الابهار فالإعلام التجاري عبر الفضائيات لا تقف أمامه حدود وهو قادر على الوصول إلى الشباب في كل أرجاء الكون وهو شديد التأثير في هذه الفئة لأنه يستهدفها بدرجة أولى ولأن له القدرة الخارقة على الابهار يضاف إلى ذلك خاصية المصداقية التي يتميز بها الاعلام الاجنبي مقابل تردي الاعلام المحلي وارتباطه بالجهات الرسمية ما يجعل منه مصدرا للمعلومة موثوقا به. لقد أصبحت الوسائل الاعلامية الحديثة كالحاسوب والتلفاز مصدرا أساسيا لتقديم الثقافة و