الكلمة الزينة تكسر العظم الصليب
يكتبها: علي بارجاء
أصبح حال اليمن في السنوات الثلاث الأخيرة يصعب حتى على أولي القلوب الصخرية, فهو يزداد تعقدا كلما لمحنا بصيص أمل نحو الانفراج, بالأمس القريب تفاءل الناس خيرا بانتهاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل, الذي قضى المتحاورون فيه مدة من الزمن كفيلة بحلö كلö مشكلات العالم, بلهú مشكلة اليمن نفسه. وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين من شهر يناير وهو يوم الحفل الختامي لمؤتمر الحوار, كتبت على صفحتي في الفيس بوك ما نصه: “يقول المثل الحضرمي: (ما حد يöدöلúدöل رجيله قبل الركوب) لذا سأتفاءل بنجاح الحوار الوطني, وتنفيذ مخرجاته بسرعة وصرامة. ولكن أي رصاصة تنطلق, وأي روح تزهق, وأي قطرة دم تسيل في أي شبر من اليمن بعد اليوم, ستكون أول مؤشöر ودليل على فشل الحوار. كل المؤسسات لا بد أن تعمل بجد وصدق, والمكنسة لا بد أن تشتغل وتكنس كل معرقöل. وسنتابع ونرى, فلم يعد لدينا وقت للصبر والعصöيد والجعúث!!”.
ولم يمضö زمن طويل حتى (عادت حليمة لعادتها القديمة), وجاءت الأخبار بأن القتل لا يزال مستمرا, ثم وقعت حادثة الاعتداء على النقطة العسكرية المرابطة غرب مدينة شبام بوادي حضرموت, ومنذ ذلك اليوم وحوادث القتل لا تنتهي إلا لتعود من جديد, بل تعقدت مشكلة القتال الدائر في صعدة, وانتقلت إلى مساحات أخرى, وظلت المعارك مستمرة في الضالع وفي حضرموت, ولم تفعل الجهات المعنية سوى إصدار بيانات التنديد والاستنكار والوعيد والتهديد بمتابعة العناصر المتسببة في كل ذلك, أو السعي لتسوية الخصومات بين الفرقاء المتصارعين الذين لم نعد نعرف حقيقة وأسباب هذه الصراعات, أهي صراعات سياسية, أم مذهبية, أم قبلية, أم حقوقية, أم أنها تصفية حسابات وثارات قديمة, ساعد على بروزها من جديد غياب الدولة, والانفلات الأمني المخيف الذي يشجع على العبث بالوطن وإنسانه, وإقلاق أمنه واستقراره.
ويعرف جميع المتابعين لما يحدث في حضرموت بعد إعلان الهبة الشعبية في العشرين من ديسمبر الماضي, أن المشكلة حقوقية بامتياز, وباعتراف من الدولة نفسها التي جاءت في تصريحات رسمية مسؤولة, تعهدت فيها بضرورة تنفيذ مطالب حلف قبائل حضرموت, وظلت المسافة الزمنية بين إعلانها وبين تنفيذها تزداد اتساعا يوما بعد يوم, ولم تستطع اللجنة الرئاسية برئاسة معالي وزير الإدارة المحلية المكلفة بتنفيذ تلك المطالب التقدم خطوات إيجابية نحو الحل, الأمر الذي أدى إلى تصاعد المواجهات العسكرية, وكان وصول معالي وزير الدفاع مؤشرا إلى أن ثمة تطورا قد يحدث باتجاهين, إما بالتصعيد العسكري في محاولة لإخضاع الحلف بالقوة, وإما بحسم الخلاف والتنفيذ الفعلي للمطالب, وظل الشارع في حضرموت يراقب عن كثب ما سيسفر عنه وجود الوزير في حضرموت ولكن لم تأتö الرياح بما تشتهي السفن, إذ لم تكن بعض التصريحات بالقدر الذي يؤدي إلى طمأنة النفوس وتهدئتها, فأهل حضرموت وغيرهم يعرفون جيدا أن حلف قبائل حضرموت ــ كما هي أخلاق ومدنية أبناء حضرموت دائما ــ لم يكن يوما من الأيام خارجا عن النظام والقانون, ولم يمارس تخريبا ضد الدولة, ولم تكن له أية صلة بفعل يستحق أن يتهم فيه بأيö تهمة فوضوية منافية للحقö, عدا إيمانه بأن الإنسان وحقوقه المشروعة أولى وأغلى من أي ثروة مهما كانت أهميتها, ودرجة سياديتها.
فإذا لم تكن الدولة قادرة على تحسسö معاناةö شعبها, وتسعى جاهöدة لحلö مشكلاته وتحقيق مطالبه المشروعة, فعلى الأقل ينبغي أن تحسöن في خöطابها لهذا الشعب, سواء في تصريحاتها في المهرجانات واللقاءات, أم في الاجتماعات غير المعلن عما يدور فيها ويستطيع المراقب أن يلاحظ الاستياء الشعبي من بعض التصريحات التي لم يحبذوا سماعها من أي مسؤول, وبخاصة في هذا الظرف الحرöج الذي يحتاج إلى المزيد من الحكمة وضبط النفس, وانتقاء العبارات والكلمات الدقيقة في أي تصريح يمس أي مشكلة من المشكلات التي طفت على السطح مؤخرا في مناطق متعددة من البلاد. والمثل الشعبي يقول بأن (الكلمة الزينة تكسر العظم الصليب) لو كانوا يعقلون فما الداعي إذا لاستخدام الكلمات التي تهيöج الناس, وتزيد من مساحات التباعد والجفاء¿!