كلمة لوجه الله (الحلقة 5)
د/غيلان الشرجبي
لابد من التأكيد على أن فكرة (الشكل الاسطواني) التي سبق الإشارة إليها فكرة جوهرية جديرة بالمزيد من البرهنة لترسيخها في الأذهان حتى يدرك أولوا الألباب خطل هذه الأصوات النشاز التي تزعم احتكار الحقيقة لتبني عليها بالتالي أوهام الوصاية على الدين والدنيا وامتلاك (صكوك الغفران) ليكونوا بذلك قد منحوا أنفسهم حق فتاوى التخوين والتكفير وصولا إلى إعلان حرب مفتوحة لمجرد الاختلاف في الرأي لأن الرأي الآخر شر محض – من وجهة نظرهم – ويستحق صاحبه أن يقام عليه حد “الخارج عن الطاعة المفارق للجماعة” بكل ما يترتب عنه من مخاطر عد القبول بحق الاجتهادات البشرية ومشروعية التنوع لإثراء التجارب الإنسانية لتمثل الجهود التنافسية بين ألوان الطيف ظاهرة إيجابية تتكامل فيها الأدوار الإنتاجية التي توشي النسيج المجتمعي بقدرات إبداعية توظف الهوامش الخلافية في خدمة مشروع النهوض التنموي الشامل كلما شعرت كافة الفئات الاجتماعية بعضويتها الفاعلة ليصبح التنافس بين الجميع معيارا للمفاضلة بحيث تصبح المواطنة المتساوية مصدرا للثقة بنظام سياسي يعزز الهوية الجامعة تنبثق عنها الضوابط التشريعية التوافقية..
فإذا ما أختل هذا التوازن وافتقد أي من فرقاء العيش المشترك الإحساس بأن له حضورا في مسرح الحياة اضطربت منظومة القيم الوحدوية وصار التنظير عن اشباع الحاجة الفطرية للولاء الوطني عديم الجدوى ليظل انتقاص حق المواطنة المتساوية مصدرا لإثارة ردود الأفعال المتباينة والتي قد تبلغ ذروتها بالتمرد على المجتمع الذي تنافرت جزئياته فأهدرت طاقاته الكامنة بسبب (البيئة الاجتماعية الطاردة) ولدى (الأنظمة السياسية الرخوة) لتسود حالة من (الكبت) الإحباط والحرمان والتهميش لاناس لك تتح لهم فرص مواتية لتصريف ما لديهم من مخزون حيوي لا يجد متنفسا ليتحول إلى (قنابل موقوتة) تماما كالتفاعل البركاني الذي يحكمه قانون (الضغط يولد الانفجار) فلا نلؤمن إلا أنفسنا أن اجتذب التطرف شباب الأمة كرد فعل لسوء تعاملنا معهم وعدم استيعاب طموحاتهم المشروعة بتحقيق الذات واكتساب الخبرات.
واستنفاذ القدرات الذاتية للصالح العام والخاص فالاحباطات – إذا – تدفعهم للبحث عن البدائل المتاحة ليقعون فريسة أقرب دعوات الاستقطاب ولا يهم أن ينتمي هؤلاء لعصابة إجرامية أو شلة لصوصية أو جماعات إرهابية – بل ربما كان الخطاب الدعوي لهذه الأخير أكثر أثارة ولا غرابة أن يستعد أعضاء أي جماعة من هذه الجماعات للانتحار تحت مسمى(الجهاد) – سواء أدركوا أن لا علاقة للإفساد في الأرض بالتدين أم لا لأن السلوك الإجرامي يمكن أم ينفذه السارق بدافع الحماية المتبادلة مع أفراد عصابته.
فإحلال الكهف والمغارة محل الوطن والجماعة محل المجتمع والشلة بديلا للشعب يكسب غريزة إشباع الحاجة للانتماء نفس المعادل الموضوعي لما يفترض أن يكون عليه ولاء الإنسان الطبيعي لمحطته الاجتماعي.