قراءة في ديوان “منديل ثلجي لقبلتها النارية”
■ أ.حاتم محسن شراح

شاعر يتشرب الشعر ويتماهى في القصيدة براوح بين التفعيلة والنثر يكتب قصيدة النثر بنضوج يتجلى في قصائده التي لا تختلف في لغتها وصورها عن قصائد التفعيلة لغته المجازية ترفع وتيرة الشعر مما يضفي على قصائده جمالا يأسر المتلقي يقول في مقطع من قصيدة بعنوان «كي لا نسقط في مساء خانق» تجدل المسافات أغنيتها قبل أن أنطق:
أمسكي بيدي جيدا
سنصوغ دعاء جديدا
يحمله البسطاء بقية أحلامهم
سنمد القصيدة من قمم الخوف حتى النداء الأخير
ونربطها بحبال الشروق
تجف عليها المسافات والبحر
والصرخة الغارقة.
اللغة الاستعارية في تراكيبها «بقية أحلامهم “سنمد القصيدة” “قمم الخوف” “بحبال الشروق” “الصرخة الغارقة» هذه التراكيب قد لاتوجد إلا في صفحات بل في قصائد وهذا مما يدل على التكثيف للغة الاستعارية وتزيد من شعرية القصيدة وأدبيتها ويفضي إلى صدق نفسي يتبين للقارئ من خلاله أن الشاعر كتب القصيدة في موقف شعوري حقيقي وأن القصيدة تحمل بعدا انسانيا وجماليا والقصيدة تحمل معنى الخوف وتصب الحقول الدلالية للمفردات والتراكيب في هذا المعنى فاللازمة المتكررة تدل على خوف يمسك الشاعر زمام المبادرة ليجعل من رفيقته تتعلق به فيطلب منها أن تمسك بيده القصيدة تحمل بعدا عاطفيا في غاية الرقة تتشظى روح الشاعر وتتماهى في عالمها الوجداني المتحد مع المحبوبة يقول:
سوف أنصب لي نجمة بين عينيك يا حلوتي
هكذا كنت
نصف الطريق إلى عشنا
هكذا أنت
فاكهة تملأ القلب أشجانها
والحديقة والمقعد الخشبي
ونبضي يفتح أكمامه
وانحناء القرنفل للعاشقين.
يتمثل الشاعر محبوبته في الحديقة والمقعد الخشبي نصف الطريق وفاكهة تملأ القلب…الخ إن هذا الشعور هو ما يجب أن يكون عليه المحبوب أن يراه في كل شيء جميل يرى البحر في عيني محبوبته والورد في وجنتيه واللآلئ في ثغره الباسم وصدق عنترة عندما قال:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل الرماح لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
هكذا نرى أن عنترة كان حداثيا في هذه الصورة وهذا التماهي في تخيل المحبوبة وشاعرنا يقول في مقطع من نفس القصيدة:
سأسير على نفس حناء كفيك
إن ضعت في هذه الأرض
أحمل ميلادنا
والزوال يقدم لي نفسه
جملة جملة…إلخ
هذه الصورة وهذه المبالغة بلغة اليوم وهذا النسق التعبيري عن الإعجاب والهيام بكل متعلقات المحبوبة والانصهار معها ليكونا واحدا وفعلا ومن خلال عنوان المجموعة (منديل ثلجي لقبلتها النارية) الشاعر مستعد للقبلة النارية مهما كلفت من تضحيات وعمل إجراء احترازيا بالمنديل الثلجي.
المجموعة برمتها تدور في هذا الفلك
الديوان حوى 17 قصيدة عناوينها كالتالي: «باسمي ونيابة عن آذار أواعد صنعاء سأرسم شجرتين كي لا نسقط في مساء خائف لكنه عاشق مختلف ألبوم أسرارها كاريزما حديقة للفقراء عن النار والثلج اعترافات زهرية إلى سرير الغريبة شانيل جنة موجزة رسالة إلى غصن الزيتون أينا ينتظر مشاهد تحت أنقاض أنثى».
كما أن الشاعر وطأ لكل قصيدة بعبارة تعليق من أمثال لقصيدة جنة موجزة: ماهي كلمة المرور إلى جنتك وقصيدة أينا ينتظر: إحساسك أنعم من الغيم.. وأنت مطعونة بانتظارك في زاوية حادة.
بعض القصائد تركها من دون أي تعليق على العنوان وهذا عرف كان بعض الشعراء يأخذ مقولة لشاعر أو مفكر ويجعلها ملهمة له وشاعرنا كان يصوغ بنفسه هذا التعليق ومن أجمل هذه التعليقات عن قصيدة بعنوان «عن النار والثلج» أحرقني.. وأحاول إشعال أوراق أنوثتها بعود ثقاب تعليق عبارة عن قصيدة مكثفة.
تخير الشاعر للغلاف الخلفي قصيدة نثر بديعة
طلقة نارية واحدة
ويكتسي الوطن بلون الحب
قبلة واحدة.. ويحترق وجهي
غيمة واحدة.. وتنضج الفكرة
سجارة واحدة.. وتنطفئ الآلهة
قصيدة واحدة.. وتضيء أنثى
امرأة واحدة.. ويموت البطل
هذه القطعة الشعرية من مشاهد في آخر الديوان لكل مشهد عنوان هذه القطعة بعنوان (خدع سينمائية) وهذه القطعة النثرية تبدو فيها تقنيات قصيدة النثر حيث التركيبة اللغوية الواحدة فاللازمة المتكررة هي واحدة.. والفعل المضارع بعدها والفاعل في الحقيقة هو اللازمة السابقة فاحتراق الوجه بسبب القبلة النارية الواحدة والغرق في الظل سببه الغيمة وهكذا وهذه جمالية من جماليات قصيدة النثر.
الشاعر أبدع في قصيدة النثر كما أبدع في التفعيلة وله مقطع عمودي في تعليقاته على قصيدة ألبوم أسرارها يقول:
في صدرك أسرار ترحل
كي يجهل عطرك ما يجهل
في صدرك نقش أثري
معناه.. أنا الحب الأول
نبيل القانص