السم في العهد الصليحي
باسم الأحصب

كان مؤسس الدولة الصليحية قد اغتيل عام 459ه/1066م وخلفه ابنه المكرم أحمد بن علي الذي ما لبث مرض الفالج أن أقعده عن ممارسة كامل أعمال الملك وكان قد أصيب به في تهامة أثناء معاركه لتحرير أمه أسماء التي أسرها سعيد الأحول النجاحي. أوكل المكرم أمور السياسة إلى زوجته الملكة أروى التي كانت قد أقنعته بنقل عاصمة الدولة من صنعاء إلى جبلة. وأوكل أمور الدعوة الفاطمية إلى قريبه سبأ بن أحمد الصليحي الذي اتخذ من حصن أشيح بآنس مقرا له. توفي الملك المكرم عام 480ه/1087م. وبعد عقد من الزمان لحقه إلى العالم الآخر الداعي أو السلطان سبأ الصليحي كان ذلك في عام 492ه/1098م. وكان على الملكة أروى أن تدير شئون دولة مترامية الأطراف ولكن ما من أحد يعتد به بقي من آل الصليحي. وبدأت المناطق تتساقط مستقلة عن سلطة الصليحيين. ففي صنعاء وأعمالها تغلب السلطان حاتم بن الغشم الهمداني. الذي اختارته همدان سلطانا لها. كان ذلك عام 492ه/ 1098م. وبعد عشر سنين توفي حاتم بن الغشم 502ه/1108م وتولى من بعده ابنه عبدالله الملقب بالشاب العادل ولكن هذا الشاب العادل ما لبث أن قتل بالسم بعد سنوات من توليه في ملابسات غامضة لم توفر مصادر التاريخ معلومات كافية عنها. وتولي الأمر من بعد العادل أخوه معن عام 504ه/1110م.
كان الملك المكرم أيام حكمه قد عين أحد أعوانه المخلصين يدعى (أبو البركات) على حصن التعكر وأعماله (وهو أهم قلاع الصليحيين ومقر ذخائر ملكهم) وبعد وفاة المكرم توفي أبو البركات فمكنت الملكة أروى المفضل ابن أبي البركات مما كان تحت يد والده وحل محل أبيه وعظم أمره فكان لا يقضى أمر إلا به. وقد وقف إلى جانب الملكة في محاربة الداعي سبأ بن احمد الصليحي عندما أعلن هذا الحرب على الملكة التي رفضت طلبه للزواج منها. كان علي ابن الداعي سبأ الصليحي قد تزوج بفاطمة بنت المكرم وأروى ولكنه تزوج عليها. فاعتبرت بنت الملكة ذلك انتقاصا في حقها فاستغاثت بأمها التي أرسلت المفضل لإنجاز المهمة. فخلصها بالحيلة من حصن زوجها وحملها إلى أمها. وساءت العلاقة بين علي الصليحي هذا وبين الملكة والمفضل رجل دولتها القوي وتمكن من السيطرة على حصن أشيح أهم حصون الدولة وبعض المناطق التي كانت تحت يد والده وأصبح واقعيا خارجا عن الدولة لقد أعيت المفضل الوسائل في التخلص من علي بن سبأ فلجأ إلى تلك الوسيلة السحرية الناعمة ولكن الفاعلة “السم” وما عجزت عنه سيوف المفضل قام به السم الذي تناوله على بن سبأ الصليحي وكان ذلك في عام 495ه/ 1101م.
وكأن المفضل أعجب بلعبة السم هذه. ففي مناسبة أخرى تجرأ وقتل بالسم سليمان بن عامر الزواحي أخو الملكة لأمها في قصة لم تزودنا المصادر التاريخية بأبعادها. وقد توفي ابن أبي البركات سنة 504ه/1110م أي قبل وفاة الملكة بـ 28 عاما. وقيل أن المفضل هذا قد مات انتحارا بالسم عندما خسر حصن التعكر ولم يستطع استرجاعه واسترجاع حريمه منه بعد انقلاب قام به بعض الأعيان عليه أثناء تواجده في تهامه لغرض من أغراض الدولة. ويقال أنه كان محتفظا بسم في خاتم يده تجرعه انتحارا ووجد ذلك الخاتم في فمه بعد موته
