الـــوردة

ألبرتو مورافيــا ترجمة : محمد عبد الواحد الكميــــم


في شهر أيار كانت توجد في حديقة هذا البيت الصغير في الضاحية بالقرب من أشجار الورد صفوف من الملفوف. كان المالك وهو عجوز متقاعد يعيش وحيدا مع طاهيته يخلع سترته عند الغسق ويلبس مئزرا من القماش المخطط وينكش الأرض بالمعول ويشذöبها ويسقيها ساعة في انتظار وجبة العشاء. وكانت نساء الحي تستطيع رؤيته وهن عائدات مساء من الحدائق العامة مع أطفالهن من خلال قضبان الشبكة المعدنية فيما هو يوجöه الفوارة على المساكب حاملا خرطوم الماء بيده. وكان الرجل المتقاعد يقطف من حين لآخر ملفوفة ويعطيها لطاهيته أو يقص بالمقراض بعضا من تلك الورود ويضعها في زهرية في منتصف الطاولة في قاعة الطعام. وعندما يجد وردة جميلة جمالا خاصا كان الرجل المتقاعد يحملها إلى غرفته ويضعها في كأس بعد ملئها بالماء ويضعها على منضدة قرب سريره. وكانت الوردة تبقى في الماء تنظر إلى رأس سرير العجوز حتى تسقط أوراقها وتتفتح كل بتلاتها مثل الأصابع وتكشف عن قلبها الأشقر والوبöر. لكن المتقاعد لم يكن يرمي الوردة إلا عندما يجد بتلاتها منثورة على رخام المنضدة ولا يوجد في الماء الذي فتر والمليء بالفقاعات سوى الساق المليئة بالأشواك.þ
وفي صباح أحد أيام شهر أيار انقضت سيتونية(1) مذهبة كبيرة تتبعها ابنتها التي لا تزال شابة بعد أن حلقتا سدى في حدائق المنطقة ولم تجدا أية زهرة وقد شاهدتا من بعيد مساكب المتقاعد انقضتا على ورقة شجرة زعرور جرماني عريضة وقاسية وهنا قالت الأم لابنتها بعد أن استردت أنفاسها: “ها قد وصلنا إلى نهاية تجوالنا. فإذا ما انحنيتö ونظرت إلى الأسفل سترين زهرات عدة لا تنتظر سوى مجيئك. فنظرا لصغر سنöك أردت حتى الآن مرافقتك ونصحك في اختيار الورود وعلاقاتك معها… كنت أخشى أن تتعرض صحتكö الجسدية والنفسية للخطر بفعل حداثة الأحاسيس وعنفها إضافة إلى النهم الخاص بشبابك لكنني وجدت أنكö سيتونية عاقلة مثل باقي سيتونيات عائلتنا وقررت أن الوقت قد حان من الآن فصاعدا لكي تعتمدي على نفسك وتحلöقي بأجنحتك نحو الورود التي تفضلين فمن الأوفق إذا أن نفترق نهارا كاملا وسنعود ونلتقي على ورقة شجرة الزعرور هذه. لكنني سأعطيكö قبل أن نفترق بعض التوصيات. تذكري أن السيتونية خلقت لتلتهم الورود. أو على العكس خلق الله الورود كي تتغذى السيتونيات عليها. وبخلاف ذلك فلسنا نجد لماذا تصلح هذه الورود. وإذا لم تجدي وردا أمسكي وامتنعي عن الطعام فمن الأفضل تحمل الجوع على مس غذاء غير جدير بعöرقنا. ولا تصدöقي مغالطات دود الأرض والرعاع الآخرين الذين يدعون أن جميع الورود جيدة. هذا ما يبدو في أول الأمر لكن بعد ذلك تنكشف بعض الأمور. وبعد أن ينقضي زمن الشباب تكشف السيتونية التي انحطت النقاب عن جميع نقائص انحطاطها المخجلة وعليها بعد أن يتم إبعادها عن قومها أن تقاوم صحبة الخنافس والزنابير والطفيليات وقائمة طويلة أخرى من الهنات(2). لأن الوردة يا صغيرتي هي غذاء إلهي قبل أن تكون غذاء ماديا. ومن جمالها تنهل السيتونية جمالها هي. إنها أشياء غامضة ولن أعرف أن أقول لكö أكثر من ذلك. وأعرف ببساطة أن بعض القوانين التي تدعى بدقة إلهية لم تنúتهك أبدا دون عقاب. لكنكö لست بحاجة لمثل هذه التحذيرات فأنتö سيتونية سوية ونزيهة وتحكمين بالفطرة على بعض الأشياء. فإلى اللقاء يا صغيرتي إلى اللقاء هذا المساء.” وبعد أن عبرت عن أفكارها على هذا النحو طارت الأم الشجاعة لأن وردة قرمزية ضخمة تفتحت أوراقها قبل هنيهة كانت الآن تستهويها وتخشى أن تسبقها إليها سيتونية أخرى أو أن تستميل صراحة ابنتها.þ
وبقيت السيتونية الفتية بضع دقائق أخرى على ورقة شجرة الزعرور تتملى حديث أمها. ثم طارت بدورها.þ
إن أحدا آخر غير السيتونية لا يمكنه أن يتصور ما هي الوردة السيتونية. فتخيلوا الزرقة في شهر أيار تجتازها موجات شمسية بطيئة في حديقة مزهرة. وها هو سطح منتفخ وأبيض يظهر أمام عيني السيتونية المحلöقة والتي يداعب ظلها بتضاريسه المهيبة ويتوöج الضوء حوافه المتألöقة سطح واسع وناعم مماثل لسطح ثدي مثقل بالحليب. إنها الورقة الخارجية لوردة بيضاء لا تزال منغلقة لكنها عريضة عند الأطراف وتكشف عن أوراق أخرى متراصة وملتوية بعضها على بعض. وقد أثار هذا البياض الشاسع والبكر الذي اكتسح فجأة سماء عيني السيتونية هيجانا شرها فاتنا ولاهثا. وكان أول اندفاع شعرت به هي أن تنقض برأسها أولا على هذا اللحم الرائع غير المحمي وتنهشه وتمزöقه لتدمغه بندبة استحواذها المسبق عليه. لكن حدسها أوحى لها بطريقة أكثر نعومة لولوج الوردة وها هي تتشبث بحوافي ورقة مفرطة وتتسلل إلى داخل الوردة. كان في الإمكان رؤي

قد يعجبك ايضا