نتمنى (لنا) الشفاء العاجل!!

فتحي الشرماني


 - حين تبحث الثورة عن ثورات ويتلفت الثائر بحثا عن ثائر على أخيه الثائر وتعجز الثورة عن إيقاف نزيف الدم وإطفاء لهب العنتريات فاعلموا أن المشكلة ليست في الأنظمة
حين تبحث الثورة عن ثورات ويتلفت الثائر بحثا عن ثائر على أخيه الثائر وتعجز الثورة عن إيقاف نزيف الدم وإطفاء لهب العنتريات فاعلموا أن المشكلة ليست في الأنظمة السياسية وطواغيتها وإنما فينا نحن ففي داخل كثير منا طواغيت خفية جديرة بأن تقوم ضدها ثورة.
صحيح أن هناك علاقة قلقة بين الأنظمة السياسية وشعوبها لكن هذه المشكلة أصبحت جزءا من مشكلة كبرى هي (الكراهية) فثمة ألوان من الكراهية والبغضاء تموج بين أبناء الشعب الواحد والشعوب مع بعضها بمسببات سياسية أو مذهبية أو طائفية .. وتبقى المشكلة الأكبر من هذا كله أننا غير مؤمنين تماما بأن المجتمع الذي يعيش على هذه الحال من الكراهية يظل وطنا مأزوما غير قادر على النماء والتطور .. ثم إن كثيرا من النخب لم تتعلم ويبدو أنها لن تتعلم ولايزال هناك حتى اليوم من يظن أنه بالسلاح واستعراض الهيمنة أو بالتصفيق والتحريض سينتصر وسينفرد وسيقمع الآخر إلى الأبد.
منذ خروج الاستعمار من أراضينا وحتى اليوم لم ندرك أن تخندقنا ضد بعضنا ليس نضالا وأن التعامل مع بعضنا بلغة النار ليس كفاحا مسلحا .. نحن لم ندرك بعد أن معركتنا الحقيقية في مرحلة الجمهوريات هي التنمية وبناء الإنسان ولذلك أهلكتنا الصراعات في ظل جمهوريات شاخت في سنواتها الأولى واستمرت في طيشها حتى عاد (ما قبل الجمهورية) مطلا برأسه ليركب قطار الفشل متجها نحو استرجاع ما كان قابضا عليه .. يحدث هذا في وقت تضج فيه مكبرات الصوت بأناشيد ثورية لوطن منكوب وخطاب مهووس بلعن الأشرار لا الشر تمكن من تحويلنا إلى أشرار مثلهم لأننا لم نؤمن بقول ميخائيل نعيمة في كتابه (زاد المعاد): “لاتبغضوا الشرير وابغضوا الشر لأنكم إن أبغضتموه أصبحتم أشرارا مثله أما إذا أبغضتم الشر فقد تقتلونه وتهتدون إلى الخير”.
أما الديمقراطية والتعددية والحريات والتنوع الفكري والثقافي والديني.. كلها مفردات رائعة شوهنا جمالها وأفرغناها من مضامينها حين جعلناها سندا لأهوائنا ونزعاتنا العدوانية وحين أكملنا تخريبها أردنا بدلا عنها نسخا خاصة بنا مفصلة على مقاساتنا .. حتى المفاهيم الإيجابية كالحداثة والليبرالية والتقدمية لم نحسن حتى اليوم التعامل معها والاستفادة منها في النهوض بأنفسنا وأوطاننا فنحن إما أن نقف معها عند حدود الشكل والمظهر وإما أن نصر ولا نرضى بغير التطبيق الحرفي لمضامينها وبهذا الرحيل بين التفريط والإفراط ضاعت الفرص من أيدينا وأضعنا معنا شعوبا تكدح بانتظار القطار الذي سيمكنها من اللحاق بالركب.
انظروا إلى أين أوصلنا اليوم تفكيرنا الخاطئ.. موجات شديدة من الطائفية والمذهبية والمناطقية تكتسح كبرياءنا وشموخنا ورصانتنا في ساعة من نهار والسبب أننا مرضى متخمون بعقد وأنانيات أفسدت تفكيرنا وأفقدتنا كثيرا من معاني الإنسانية التي ينبغي أن نتسلح بها .. وفوق ذلك تجدنا دائما نلزم طريق المكابرة و(المكارحة) والإصرار على أننا وحدنا أهل الصواب وأن الآخر شر كله ولا سعادة للوطن إلا بمحوه من صفحة الوجود إلى الأبد.
السبب أيضا أننا لم نقل للصغير والأحمق والأهوج الذي أخطأ على الوطن: (عيب يا ولد آذيت وطننا ويجب أن تقف عند حدك) ولكننا للأسف صفقنا لهؤلاء والتمسنا لهم العذر ثم التفتنا إلى بعضنا وقلنا بلغة المهانة والخنوع: (القوة عز!!).
ربما نكون قد تعلمنا كل شيء وقرأنا كل شيء وقادرين على أن (نتفلسف) في أي شيء لكن للأسف لم نتعلم كيف نحب بعضنا ونقبل بوجود بعضنا .. قد نظهر أننا ذوو حصافة وعلى قدر عال من الوعي لكننا في حقيقة الأمر أسرع إلى الطيش وأجرأ عليه وأكثر قدرة على لوك الكلام المكرور فمتى سنصحو¿ متى سنشعر بالملل من هذا الضجيج الذي تخلت عنه كثير من أمم الأرض قبل عشرات السنين وثمة شعوب أخرى من حولنا تنهض في ظرف عقد أو عقد ونصف من الزمان فقط ونحن لانزال منذ عقود نواصل مسيرة النهوض إلى الوراء!!. إنهم يصنعون لأنفسهم عدوا افتراضيا لحث جهودهم والبقاء في الصدارة أما نحن فنجيد صناعة العدو الافتراضي لنوجد مساحة للتراشق بالاتهامات والتآمر على بعضنا ونسيان مسؤولياتنا نحو الوطن.
فهل لمريض لا يعترف بمرضه أن يشفى¿
هل له أن يثور على ما بداخله من قناعات معيقة للبناء والتقدم¿
(تداووا عباد الله فما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه الدواء) تداووا بترك الأنانيات وتسمية الأشياء بمسمياتها وقول الحق.

قد يعجبك ايضا