متى نستبدل لغة الدم بلغة الحوار¿

د. عبدالعزيز المقالح

 - يتملكني في هذه اللحظة من حياة الأمة يقين لا يخالطه أدنى شك في أن هؤلاء الأخوة الذين يتقاتلون ويسفكون دماء بعضهم سيكتشفون ولكن بعد فوات الأوان أنهم كانوا جميعا على خطأ فاحش في حق أنفسهم وفي حق دينهم ثم في حق وطنهم وأن ما كانوا يهدفون إليه إن كان لهم هدف لا يستحق قطرة واحدة مما نزفوه وأنزفوه من دماء
يتملكني في هذه اللحظة من حياة الأمة يقين لا يخالطه أدنى شك في أن هؤلاء الأخوة الذين يتقاتلون ويسفكون دماء بعضهم سيكتشفون ولكن بعد فوات الأوان أنهم كانوا جميعا على خطأ فاحش في حق أنفسهم وفي حق دينهم ثم في حق وطنهم وأن ما كانوا يهدفون إليه إن كان لهم هدف لا يستحق قطرة واحدة مما نزفوه وأنزفوه من دماء وسيكتشفون أن هذا الدم المراق على غزارته لم يقöمú عدلا ولا وضع حدا لفساد. وأن لغة الحوار كانت أجدى بما لا يقاس من لغة الدم فلغة الحوار تستدعي الهدوء والاحتكام إلى العقل والنظر إلى موضوعات الخلاف ببصيرة واعية بينما لغة الدم تستدعي المزيد من القتل والمزيد من الاحتكام إلى منطق العنف إن كان للعنف منطق وإلى الاسترسال في التضحية بالأبرياء وهم دائما وقود كل الخلافات التي تؤدي إليها الحروب واستثارة الأحقاد.
وما يحدث في بلادنا وما حدث ويحدث في كثير من الأقطار العربية والإسلامية بين المسلمين أنفسهم من اقتتال غير مشروع دينيا وأخلاقيا يستدعي انتفاضة روحية ومراجعة شاملة من كل الأطراف المتحاربة لا لدراسة الأسباب وإنما لدراسة النتائج وإلى أين تؤدي بالناس وبالبلاد هذه الحروب المشتعلة والقتل الذي صار جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية وطقسا عربيا إسلاميا لا يراعى فيه طفل ولا امرأة ولا شيخ عجوز كما لا يتم التفريق فيه بين مسالم ومحارب. والأخطر في هذه الحروب الوالغة في الدم أنها تفكك قيم المواطنة والتعايش وتفتح أبواب الجحيم لنيران لن تتوقف حتى تأكل الأخضر واليابس وفي بلدان لا تنقصها المآسي الناتجة عن الجوع والانحدار المستمر لمستويات المعيشة وغياب الحد الأدنى الخاص من العناية الصحية وتدهور مستويات التعليم واتساع دائرة الأمية وانحسار الرغبة في تجاوز الانتكاسة الحضارية وما يترتب على هذه المواقف من إحباط وشعور باليأس.
والسؤال الحائر والمحير والذي يمكن لكل ذي عقل أن يقرأه بوضوح في الفضاءات العربية والإسلامية هو: أين العلماء علماء الدين¿ هؤلاء الذين قيل عنهم وما يزال يقال أنهم ورثة الأنبياء أين مكانهم من هذا الذي يحدث¿ وما دورهم في إيقاف نزيف الدم بين أخوة الإسلام وأخوة الوطن¿ ومن أقدس المهام المنوطة بهم صون الدماء وحماية الأبرياء ومواجهة كل ما يؤدي إلى الخلافات ونشر البغضاء ولا يمكن تصديق ما يشاع من أنهم قد توزعوا بين المتحاربين وصارت كل فئة منهم بعد أن افتقدت حيادها تنتمي إلى إحدى الطوائف المتحاربة. لا يمكن تصديق هذا الذي يشاع وفي رأيي أن هنا في بلادنا وهناك في الوطن العربي والعالم الإسلامي علماء مخلصون لله وللعقيدة يرفضون الاستسلام لرياح التعصب والاندفاع وراء المشاريع الضيقة والآنية وفي مستطاع هؤلاء أن يوقفوا شلالات الدم التي بدأت تنتقل من قطر إلى آخر ومن منطقة عربية إلى منطقة إسلامية.
إن مواقف العلماء مطلوبة وأصواتهم منتظرة لاسيما في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ الأمة الإسلامية وبعد أن اشتدت المعارك بين أبناء البلد الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة وبعد أن صار القتل المتبادل بين “الأخوة الأعداء” لعبة مستساغة لدى الأطراف الموغلة في العداء والتحدي وما سوف يسفر عنه التمادي في القتل من ثأرات وعداوات مستقبلية تقصم ظهر الوطن وتجعل من المستحيل إعادة حالات الصفاء والاستقرار إلى ربوع البلاد المنهكة سياسيا واقتصاديا وأمنيا. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن النفس الإنسانية هي أعز شيء في الوجود بوصفها منحة الخالق العظيم الذي وهبها في لحظة الخلق الأول من روحه المقدسة الأسمى {ونفخúت فöيهö مöن روحöي } فمن اعتدى على هذه النفس فإنما يعتدي على جزء من روح الله ومن قتلها {فكأنما قتل الناس جمöيعا } فأين نحن من هذه المعاني وكيف يبدو البون شاسعا بين ما يأمرنا به الدين وما نفعله من مخالفات صريحة صارخة¿
وكم أتمنى على وسائل الإعلام الرسمية والحزبية والخاصة في بلادنا وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي أن تكون أداة تنوير وتصحيح للمفاهيم المغلوطة وأن تتمحور رسالتها حول الإسلام الجامع الذي أوجز القرآن الكريم دعوته في الآية التالية من سورة الأنبياء: {إöن هـذöهö أمتكمú أمة واحöدة وأناú ربكمú فاعúبدونö} صدق الله العظيم.
الأستاذ رياض الأحمدي في كتابه (الفدرالية في اليمن):
راجت في السنوات الأخيرة كثير من المصطلحات والمفاهيم التي لا علم

قد يعجبك ايضا