لا يأس مع الجذام

د. ياسين عبدالعليم القباطي

 - مرت سنتين على وجودي في مستعمرة الجذام في تعز أنام في عنبر طويل بين مرضى الجذام بعضهم عاجزون مشوهون وبعضهم مثلي سليمين ظاهريا.
مرت سنتين على وجودي في مستعمرة الجذام في تعز أنام في عنبر طويل بين مرضى الجذام بعضهم عاجزون مشوهون وبعضهم مثلي سليمين ظاهريا.
جميعهم أبعدتهم وصمة الجذام عن قراهم وأهلهم فروا من الحرمان والإهانات والعزل من جميع أنحاء اليمن تركوا من يحبون وهجروا موطنهم الذي نشأوا فيه تركوا ذكريات وأشجان طفولتهم ومغامرات شبابهم ليعيشوا بقية حياتهم بعيدا عن ديارهم في عزلة أحبوها غصبا عنهم معزولين في مستعمرة الجذام في تعز.
لا أحد هنا يسخر من الآخر كلنا مصابون بنفس الداء ونعاني من نفس العاهات بعضنا تشوهاته كثيرة وظاهرة وبعضنا لا يعاني من تشوهات ظاهرة غير أن وجود البقع وجفاف الجلد وعدم الإحساس ورعاف الأنف المستمر وعدم القدرة على ممارسة الحياة الطبيعية بسبب تفاعلات المرض والحمى المتكررة وصرير العظام تجعل الأصحاء يعرفون إننا مصابون بمرض الجذام فينفرون منا ويواصلون عزلنا والابتعاد عنا ولكن هنا في هذا المجتمع وحدت مشاكلاتنا مشاعرنا فصرنا متألفين لا يسخر أحدنا من الآخر وإن سخر فمن قبل المزاح فقط.
محمود النجري كان معزولا في جبل بعيد عن القرى في حجة لا يسمح له بالسير بين الزراعة خوفا من انتقال الجراثيم إلى المحصول هنا في تعز يذهب محمود إلى الحقول المجاورة مع غيره من المرضى يساعدون الفلاحين في الزراعة والحصاد يأخذون منهم أجرهم ويعودون لينامون في قسم الجذام نكسب أرزاقنا بطرق شتى ولا نكتفي بالوقوف في طابور الطعام الطويل كل يمد قصعته لمن يوزع الطعام فيسكب في القصعة الرز واللحم والبطاطس وأحيانا الحلبة والمرق كله يخلط مع بعضه الحاج علي الدهومي بترت أصابع يديه نربط له ملعقة في ما تبقى من عظام يده يستعين بها على الأكل من يعمل في الحقول أو في الجبل يشتري من المطعم ومن الدكان الذي فتحه أحد المرضى خارج القسم ويستزيد من الطعام بقدر ما يكسب من مال نقاسي من العزل والحرمان هزمنا الجذام ولن يهزمنا اليأس أبدا.
في مواسم الزراعة نعمل في القرى المجاورة في البعرارة والدمينة والكحل والشجرة نزرع الذرة والغرب ونحصدها مع أصحاب الأرض في موسم الحصاد يعطونا أجرا ريال عن كل يوم عمل وعند الحصاد يزيودونا حبوبا نطحنها ونخبزها في التنور على الحطب بعضنا تحرق النار يده فلا يحسها حتى يراها أو ينبهه أخر إلى حرق يده.
محمود النجري يستغرب كيف يسمحون لنا هنا في هذا الحصب بالعمل في حقول الزراعة وجني المحصول بينما في وادي شرس وفي نجرة ومبين في حجة لا يسمح للمصاب بالجذام أن يسير بين المزروعات.
العمل في الحقول مع المزارعين جعلنا نفكر أن نستصلح الأرض المجاورة في شعاب الجبل الذي يقع تحته قسم الجذام وفعلا أستصلح بعض المصابون الحقول أنا استصلحت أربع مدرجات في الجبل لم أتجاوز العشرن عاما من عمري صارت لي حقول وصرت أملك الأرض في تعز المطر في تعز وفيرا غزيرا تمطر السماء في موسمين شتاء و صيف أزرع حقولي مرتين في السنة وأبيع العلف للمواشي والحبوب أكلها صرت كما صار بعض المرضى ملاك أرض مجاورة لمستعمرة الجذام لا أحد يمنعنا الناس في تعز مسالمون ولا يعترضون على ما نعمله العمل في زراعة الحقول متعب يستمر من الصبح حتى المغرب ونرتاح لتناول الغذاء في القسم وعند عودتي في أخر النهار متعبا منهكا أتناول عشاءي في القسم ثم أذهب إلى منزل الأستاذ محمد حزام عقلان خارج القسم وهو مدرس وإمام مسجد من العدين أصابه الجذام فهرب إلى معزل الجذام في تعز وصار إماما ومدرسا لمن أراد من المرضى أن يحو أميته كان أستاذي محمد حزام يدرسني على ضوء لمبة الجاز لا توجد كهرباء في مستعمرة الجذام مثل مدينة تعز التي تنيرها مولدات يملكها المحضار كنت أستمتع بالدراسة مصمم عليها وسوف ألتحق بالمدرسة وأنال الشهادة العليا حتى وإن سخر مني المرضى الذين أتوا من قبائل متخلفة ويتندرون مني عندما يشاهدني أدرس لكن سخريتهم لم تمنعني من العلم كنت منكبا على التعليم وصرت أعرف القراءة والكتابة التي حرمت منها في أنس بسبب مرضي ونفور الأطفال مني.
في مواسم الجفاف لا نعمل في الحقول وإنما نقطع الحجار من الجبل المجاور بوسائل بدائية عتل ومطارق وأوتاد نجمع الحجارة ننقلها على ظهورنا ونبيعها ونحملها للناقلات التي تأتي من تعز نجمع المال ننتظم في جمعيات تعاونية للفقراء العاملين في قطع الحجارة ومن تلك الفلوس التي جمعناها أستطاعت جمعيتنا أن تستأجر حراثة ثم ألة ضخمة تساعدنا على تحطيم صخور الجبل وقهره الجبل لم يستطع الصمود أمامنا رغم ضخامته وقساوته لم يقهرنا كما قهرنا المجتمع الجبل يتشقق تحت ضرباتنا نحطم أجزائه إلى قطع صغيرة بأيد مشوهة مجتمعاتنا التي كنا نعيش فيها حطمت نفوسنا وأشعرتنا ب

قد يعجبك ايضا