ثقافة المعنى

احمد الشرعبي


 - لم تستقر الثقافة على مفهوم محدد ولا المثقف على تعريف ثابت وكلما كان هذا ممكنا  في مرحلة زمنية ما كلما جدت متغيرات جوهرية تتقاطع مع ما كان وتتشكل فيما هو كائن لتعود

لم تستقر الثقافة على مفهوم محدد ولا المثقف على تعريف ثابت وكلما كان هذا ممكنا في مرحلة زمنية ما كلما جدت متغيرات جوهرية تتقاطع مع ما كان وتتشكل فيما هو كائن لتعود إلى مستواها الأول من التقاطع بما يستجد في حياة البشر وما سيكون عليه حال مستقبلهم.
الإنسان هو الإنسان لكن فلسفة المجتمعات و مضامينها الإنسانية وتحدياتها الوجودية تتغير من وقت لآخر ليبدو التاريخ مسارا متعرجا تتعذر سبل الاحاطة بخصائصه دون المرور على محاطاته الأبرز من حيث تأثيرها العام ومفارقاتها الحياتية على حركة ومصالح وعلاقات الشعوب وأنماط البنى الاجتماعية في هذه الدولة أو تلك ونظم التحكم في توجيه وإدارة مصالحها التبادلية.
ومن هذا المنطلق يرتب التاريخ مواقع الشعوب ومقاعد الدول على خط سير قطاره إيذانا برحلات سفر دائمة دائبة متجددة صوب ما نسميه الغد.
تسأل وأنت احد الذين أدركهم شغف الانتماء أين هي امتنا العربية العظيمة أو بالأحرى التي كانت في أيامها الغاربة كذلك.. أين موقعها من الإعراب وما هي إحداثياتها على خارطة سير القطار¿ أننا ما ننفك نحاول العثور على تمثلاتها العملية في زخم المتغيرات الكونية بشقيها المادي والروحي..¿
متى غابت الروح فليس ثمة معنى لترائي الجسد الضخم ذاك أن التاريخ لا ينشغل بالأعداد ولكن بما عليه أوزانها ووجهتها وأرصدتها المتحركة في مشغل العقل وسباقات التفوق.
على مضض نتعامل مع معطى الواقع وإذ لا نرى الأمة حاضرة الروح قادرة على تثمين وجودها في الدالتين الروحية والمادية فان التاريخ يمنحنا قدرا من الفرص المتواضعة في التزلق بين منعرجاته القائمة بحثا عن الأمة ضمن مجسمات (بيكو) أو ما يمثلها أو يقوم بأودها داخل فسيفساء التموضع القطري..
تلهمنا المفارقات الفجة أسئلة فاجعة لكنها في أوقات نادرة تحملنا على استحضار روح الأمة وتجلياتها الحركية وقدرتها على امتلاك إرادة التحدي واتخاذ الموقف السياسي الذي يؤصل لمعرفة المعنى.. معنى أن نكون أمة تدل عليها إرادة متحررة..
غياب الروح وانعدام المعنى يوفر أن الغطاء – اللااخلاقي – المتحين لدى الكيانات الصغيرة إذ تلعب أدوارا هزلية بمنطق التاريخ وشروط التأثير في تحولاته بيد أنها أكثر المخاطر المحدقة بهوية الأمة نظرا لفعاليتها الآنية وعوامل زراعتها في قلب المعنى الجمعي المؤمل من بعض انساق التكامل الإقليمي (الخليج مثلا) .
تجارب المراوحة بين ماض الأمة وحاضرها لم تسفر عن انجاز يمنحها مقعدا على قطار المستقبل .. كل الشعارات المدوية ذوت دون جدوى ولم يبق حجرا أو كيانا صغيرا إلا استخدمناهما لنكتشف إنهما صارا جزءا من البرك الآسنة التي يستعصى ماؤها الراكد على الحركة .. غير أن للقدر هبات تسبق أو تواكب المخاضات الكبرى في التأريخ ..
لدينا اليوم ما يضاهي الحالة التاريخية التي تنتظر دور المعرفة في استثمار الفرص وتحويلها من غيمات مطيرة في السماء إلى نبع متدفق يروي الأرض العطشى ويؤسس لبدايات مختلفة تكتنز مقومات اللحظة التاريخية الفاصلة فتنجز المعنى وتوائم بين الروح كطاقة دافعة من جهة وتحدي المادة وسباقات التكنولوجيا وأدوات الإنتاج على اختلافها من الجهة الأخرى .
وكما لو أن المرء بصدد طبع نسخة مقلدة من صرخة المباغتة لجاذبية قومية تحاكي (نيوتن) عند هتافه (وجدتها) فللمرة الثانية تبهرنا المملكة بانحيازها القوي والشجاع إلى جانب الأمن القومي العربي ويبادر الملك عبدالله بن عبدالعزيز لاتخاذ القرار التاريخي مع شعب مصر واختياراته الحاسمة .. ما أشبه الليلة بالبارحة غداة إعلان الملك فيصل عن استخدام سلاح النفط رديفا للسلاح المصري أثناء حرب العبور العظيم وسقوط أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر لكن معادلة السلاح أهون بكثير من احتدامات السياسة بتعدد واتساع جبهاتها وتنوع أدواتها وبعد مداها ¿فهل تحسن الأمة التقاط الفرصة وتأخذ مصر والمملكة في اعتبارهما وجهة الانتصار لمشروع عربي تؤسسه المعرفة وروافع إبداع المعنى .. وما لم تقف السياسة والمال خلف مشروع معرفي ثقافي تنموي يعالج معضلتي التخلف والمحاكاة فسيظل الصراع مع تيار الإسلام السياسي اجترارا يروي أزمات الهوية المنكسرة لا جسرا للعبور بها إلى فضاء الروح وتجليات الإشباع الذاتي للمادة.
وددت لو كان بوسعي إيجاز مثل كالذي انتهت إليه محاضرة المثقف والشاعر السعودي المعروف محمد زايد الألمعي على هامش معرض الكتاب بصنعاء . رفع المحاضر جهاز الموبايل بيده قائلا كلفة هذا الهاتف لا تزيد عن دولارين ويباع لنا بـ100 دولار وفارق القيمة يعكس الفجوة المعرفية بين مجت

قد يعجبك ايضا