الزياني ومخمل السياسة
احمد الشرعبي


احمد الشرعبي –

جلست اليمن أواخر الشهر المنصرم على طاولتين دوليتين منفصلتين بالتآمهما وجهات عمل المشاركين متصلتين من حيث الوجهة والهدف .. واحسبها اقتعدت مهيضة الجناح و لم تقل شيئا يعكس حقيقة تباريحها ولم تسمع وصفا دقيقا يشخص اختلال الداخل واعتلال الرؤية الخارجية بكل ما تحمله من عولمة وتقديرات سطحية أنهكها رقع خرق امتد واتسع وتغول وتديول حتى أعيا الراتق واعجز المشفق المتحاذق.
المبعوث الاممي يردد نفس العبارات المطاطية ويتعاطى مع اليمن كبلد طمرته الرمال وما من ضرورة تدعو العالم لاحترام عقل وذاكرة شعبه وحين تصل تقديراته للنجاحات المحرزة في مؤتمر الحوار درجة 90% نتذكر نتائج الانتخابات الرئاسية في بلدان الديمقراطيات الناشئة التي جربتها شعوبنا بأمل الحصول على مرشح يمثل المعارضة في استحقاق السقوط مدفوع الأجر.
90% من النجاحات المحققة حسب السيد جمال بنعمر كم تميمة نحتاجها لحراسة تلك النتيجة من عين حاسد ولوثة معاند وفي مثل أوضاع اليمن الراهنة يمكن الرهان على هذه المحصلة وترك الـ 10% لما وراء الميتافيزيقيا من كمال..¿ وحيال بشرى كهذه – تستمد مصداقيتها من المؤسسة الدولية الأكبر في العالم – لا مبرر للتلويح بكشف حقائق أخرى عن الأطراف المعيقة والا عد تقرير المبعوث ضربا من أحلام اليقظة!
اما الطاولة الثانية فتبرز سيف التأريخ المصلت على بلاد أصابها جذام السياسة لتجثو على مائدة المانحين وحيدة الا من ذات الاسطوانات المشروخة لحكومة تستعرض حاجاتها إلى مال يعالج مشكلاتها هي لا حاجات التنمية وموجهاتها الأساسية في خدمة المجتمع, وكان رئيس وزرائها استهل مرحلته بالبكاء ولم يخطر في بال مواطنيه انه فعل ذلك في سياق تهيئتهم ليكونوا على دين الملك وتسيح مدامعهم من عهد لم يروا في حيواتهم الطويلة مثيلا له في السوء .
مدعاة غرابه ان ينفض سامر محفلين دوليين عن مسحوق ناعم على شفاه الريح وخطاب عائم يثني على التسوية السياسية داخل نيويورك فيما صنعاء ومعظم أرجاء اليمن غارقة في الظلام الدامس وحكومة الوفاق تداري الخارجين عن القانون وتلتزم الحشمة إزاء الاغتيالات اليومية الأقرب إلى أجندات القوى المأزومة منها إلى جماعات القاعدة!!
وفيما عدا مقتطفات مقتضبات في كلمة د.عبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي لم نقف على وجهة نظر مقنعة تجعلنا نثق بان اليمن – و ليس دولة أخرى قريبة الشبه – هي المعنية فعلا بالمداولات المكرورة على الطاولات الدولية..
الزياني أشاد بقدرات وقرارات الرئيس هادي مؤكدا ثبات دول مجلس التعاون على مواقفها المساندة وحدة اليمن واستقراره وضرورة تضافر مصادر التمويل الخارجي لمساعدته على تجاوز المصاعب المهددة سير التسوية السياسية وتلك ولا شك مواقف أخوية عبر عنها الأمين العام بصدق وموضوعية يستحقان المباركة و الثناء.. لكنا انتظرنا منه رؤية معمقة تكشف عن ما تريده دول المجلس من اليمن وليس مجرد التعويل على الإعراض المطلبية لأوضاع استثنائية طالما مرت بها دول وحضارات وشعوب أخرى وخرجت منها معافاة تنشد السلم وتشارك في بناء صروح التقدم والنماء الإنسانيين.. فلا الأفيون أعاق الصين عن النهوض ولا الكثافة السكانية والصراعات الداخلية منعت الهند من التفوق كما ان قسوة الصحراء وجذور مجتمع البادية لم يمنعا قطر من امتلاك اكبر ميكرفون في الوطن العربي ..ودائما كانت إرادة الشعوب عنصرا رئيسا في مضمار التطور وحتمياته المطلقة ..
شخصيا انتظرت من الأستاذ الزياني ببصيرته النافذة ان يقول للعالم ان اليمن يمثل جزءا أصيلا من استراتيجية خليجية تضعه في بؤرة أهدافها المستقبلية وليس مجرد صداع مزمن يؤرق أشقاءه كما حاولت القوى الاستعمارية المعاصرة الايحاء به في تصريحات وتقارير غربية حاولت تكريس هذا المفهوم السوداوي والترويج له كما لو كان اقتباسا من نهج يضمره الخليج نحو اليمن¿
وهنا نسأل.. كيف يكون الجار خليجيا.. والمبادرة خليجية بينما ياتي الخطاب الرسمي مثقلا بقيود الدبلوماسية وتحفظاتها.. ولماذا لا نسمع للأشقاء مكاشفات موضوعية تساعد القيادة اليمنية على خلق البيئة المناسبة للمواءمة مع أوضاع المنظومة الخليجية وإن على المديين المتوسط والبعيد ..
نحن في الحقيقة لا نريد ليمننا خوض مغامرات عاطفية تحول التوحد الى حقل للكراهية ومرتع للسقوط في وحل الفصام .. وليس من بين تطلعات اليمنيين تصدير مشكلاتهم ولا ان يكونوا خليجيا يتشح السلاح ويمضغ القات ويعمم قوالب الاستعصاء القبلي والمذهبي على
