الصاعدون.. من دمائهم

عبدالله علوان



الصاعدون … من دمائهم :
هو عنوان أحدى قصائد الشاعر الكبير عبدالله البردوني, وهي مودعة في ديوانه السابع [ زمان بلا نوعية ] .
والقصيدة تنبني على عناصر البناء الشعري العربي المعروفة , وهي الوزن واللغة والفكرة الجمالية وأخيرا القافية .
فالقافية من المتدارك [ فاعلن ] على نمط ابحروا , اسفروا , ازهروا , إستبصروا , اخضوضروا , أمطروا ….. الخ
أما الوزن الشعري , فيقوم على البحر السريع :
مستفعلن , مستفعلن فاعلن
مستفعلن , مستفعلن فاعلن
مع ما يعتري هذا البحر السريع من زحافات معروفة عند علماء العروض وعلى هذا البحر تنبني اللغة وهي لغة شاعرية حالمة , ولكنها لا تحلم بالمحال , وإنما تحكي ما كان حلما مسرودا في التاريخ وكيف تحقق ذلك الحلم الذي كان تاريخيا , أو كان مجرد أفكار تحكي النضال الوطني في اليمن , وهذه اللغة تفصح عن فكرة البعث بألفاظ إشراقية مزهرة او قل بلغة البردوني المبصرة التي تقترب من المفاهيم المادية , والروحية , وتقول أمكانية , البعث العربي كحتمية تاريخية – ثقافية وتجدده .
لغة القصيدة تقول معاني البعث والنهوض والإشراق والاخضرار , وإمكانية الحياة بعد الموت , أو إمكانية الصعود بعد التعثر أو إمكانية الإشراق الحضاري بعد الغروب , وهي تتناول حركة المقاومة الثورية من مواقف متضادة فهناك من سبق وقال , أنهم ماتوا ولن يبعثوا , وهناك من قال أنهم سيبعثون من رفاتهم الحضاري , وبين هذين الموقفين , يقف الشاعر ليؤكد حقيقة البعث , ولكن برؤية شعرية هي الأخرى تستند على تاريخ حركة البعث المعاصر , فما كان مستحيلا أتى من المحال , ولكن ليس من اجل إعادة بناء حضارتهم القديمة , وإنما من اجل إسقاط عوائق البعث وهذه العوائق هي دعاوي أصحاب الموضة , أو المكذبين بالبعث ويقوم إمكانية البعث العربي الجديد في ظروف الاستعمار والاستيطان , وظروف الحداثة المدمرة هكذا يوجز الشاعر حقيقة الصاعدين من دمائهم :
كانوا زمانا مستحيلا أتى
من المحال , انفجروا , فجروا
ومن يقين الصاعد المفتدي
ثاروا على عنف الردى ثوروا
انهوا زمانا تحت موضاته
ينهار , لا ينسى , ولا يذكروا
كانوا صراعا بالنجيع ارتوى
روى , إلى أن أغصن الخنجر
جاء الصاعدون , من المحال , فثاروا على الموت كفكرة مضادة للبعث , ولكن بعد ما تفجروا وفجروا كل ما يعيق بعثهم أو نهوضهم , فلقد كانوا صراعا محضا ضد أعدائهم وصراعا ارتوى بدماء الثورة ودماء الثورة المضادة إلى إن نبتت خناجرهم و أغصنت من ذلك الدم العربي الزكي .
المنهج الشعري :
القصيدة تقوم على بنيان منهجي محكم , أو على منهج شعري عريق , ومحكوم بالتجديد و التقسيم والترتيب , و الاختيار
فقد أختار الشاعر موضوعه الجمالي , ورتبة في رأسه ترتيب الحكيم لفصول حكمته وخططا لبنائه وتقسيمه كتخطيط المهندس لبناء عمارته , ثم قسمها إلى ثمانية وثلاثين بيتا موزعة على إحدى عشر دور .
وبعد تحديد الموضوع , قام باختيار البحر الشعري والقافية , وقد اختار البحر الشعري السريع اختيارا يتناسب مع القافية أولا , ثم تناسبه مع اللغة والفكرة الجمالية .
ومن الموضوع الجمالي , والبحر , اختار لغة القصيدة اختيارا محكما يتلاءم , مع فكرة البعث العربي , وما يلازمها من شك ويقين , أو ما يلازمها من مفاهيم تقوم على القضاء والقدر أو على فكرة القدر والاختيار وعلى لغة تضعك بين الشك واليقين وبين الإمكانية والواقع , والضرورة والصدفة , فليس من المستحيل قيام الثورة العربية الكبرى أولا ضد الدولة العثمانية , التي كانت تجعل العرب [ و الأمم العربية ] امة مستعبدة لا تقول إلا بقول المستبد العثماني فقد كانت من المستحيل تلك الثورة العربية الكبرى .
لكن هذه الثورة العربية الكبرى , جأت من المحال ,أي من الليبرالية الإنجليزية , فكيف التقى الميلاد والمحشر …¿
من القومية الليبرالية , قامت الثورة العربية الكبرى , فانفجرت ضد العثمانين , وضد الاستعمار بقيادة عزالدين القسام , وبقيادة يوسف العظمة او بقيادة حركة التحرر العربية بشقيها القومي والماركسي . .
وهذا الانفجار هو الثورة ضد عنف الردى الذي هو الاستعمار البريطاني والفرنسي وسياسة لانتداب , وهذا الكلام ينطبق على الثورة اليمنية بقيادة حركة التحرر القومية والماركسية معا.
ومنذ ثورة القسام , والصراع يجري دما و نجيعا إلى أن أنهوا زمن الاستعمار , ولكنهم لم ينهوا زمن الاستيطان ..¿
لكن الاستعمار لم يكن بحاجة إلى من ينهيه فقد كانت عوامل انهياره كامنة فيه كما تقول البيتان الأخيرتان :
انهوا زمانا تحت موضاته
ينهار لا ينسى ولا يذكر
كانوا صراعا بالنجيع أرتوى
روى , إلى أن أغصن الخن

قد يعجبك ايضا