مبدöعون لكنú مهملون!

يكتبها: علي أحمد بارجاء

 - الأدب ليس الشعر فقط والرياضة ليست كرة القدم والثقافة ليست الرقص والغناء والصحة ليست تطعيم الأطفال والأوطان ليست العواصم وعلى هذا يمكن قياس كثير من المجالات التي يبالغ في الاهتمام بها على حساب مجالات أخرى لا تقل أهمية عنها.
الأدب ليس الشعر فقط والرياضة ليست كرة القدم والثقافة ليست الرقص والغناء والصحة ليست تطعيم الأطفال والأوطان ليست العواصم وعلى هذا يمكن قياس كثير من المجالات التي يبالغ في الاهتمام بها على حساب مجالات أخرى لا تقل أهمية عنها. وليس الشعب موظفي الدولة والعاملين فيها كما أن موظفي الدولة ليسوا هم من يعملون في الوزارات والأمر يطول ويطول ويبقى أهل الأدب والفن هم أكثر من يحترقون من أجل الوطن ومن أجل أن تسود القيم السامية فهم أكثر الحالمين بوطن أجمل ولكنهم مع ذلك أكثر فئات الشعب إحساسا بالغربة وعرضة للإهمال أما أهل الأدب فقد صدقوا حين قالوا: (أدركتهم حرفة الأدب) ولذلك فهم أسوأ حالا وأقل حظا وأضيق عيشا. وبما أن الفن هو جانب مكمل للأدب فأهله وإن كانوا أحسن حالا إلا أن هؤلاء وأولئك في نظر مؤسسات الدولة التي من صميم عملها العناية بهم ومن شأنها أن تسخöر إمكانياتها من أجلهم لا تزال بعيدة كل البعد عن الاهتمام بهم كما ينبغي إلا من رحمهم الله وارتبطوا بها برباط علاقة أو وساطة.
تستطيع أن تميز الأديب أو الفنان من جسمه الهزيل الضاوي ووجهه الشاحب وعينيه الغائرتين وثيابه التي لفحتها الشمس حتى أبهتت ألوانها وهم الوحيدون الذين لا يزالون يستخدمون سيارات الأجرة في التنقل ومنهم من لا يعشق سوى هواية السير على القدمين.
هذه الفئة من أبناء الوطن لن تجدهم في المؤتمرات والندوات واللقاءات ولن تجد من يعبöر عنهم فيها ليس لأن الله قد وهبهم القدرة على التعبير عن آرائهم فيما يكتبون ويشكلون ويرسمون ويغنون بل لأنهم ليسوا في دائرة الاهتمام ولأنهم قليلو الحيلة في الوصول إلى من بيدهم قرارات الاختيار وكلما ابتعدوا عن العاصمة كانوا أكثر عرضة للإهمال وعلى ذلك يمكن القياس.
مساكين هم أهل الأدب والفن وبخاصة الشعراء منهم الذين أخرجهم أفلاطون من جمهوريته وظلوا خارج كل جمهورية حتى اليوم هم من يتغنون بالوطن ويلهبون الجماهير حماسا بحبöه والإشادة بما يتحقق فيه من منجزات وما يحقöق من انتصارات وعلى أن الشعر أكثر فنون الأدب سوقا ومع ذلك فالشعراء والأدباء أكثر من يجازون بالنكران ومعهم غيرهم من أهل الفن لا تقابل أحدا منهم إلا وجدته شاكيا باكيا متذمöرا لا يجد من يستمع إلى شكواه ومعاناته التي يسكبها في ما ينتجه شعرا ونثرا وغيرهما.
التقيت يوما أديبا شاعرا وعندما سألته عن آخر قصائده أخرج ورقة من جيبه وبدأ يقرأ قصيدته التي لم تكتمل وقد فوجئت أنه كتبها على ورقة (كرتون) من الذي تطوى عليه القمصان الرجالية قلت في نفسي: لعل الإلهام فاجأه ولم يجد أمامه شيئا ليكتب عليه قصيدته سوى هذه وحينما سألته مداعبا عن ذلك لم يزد على أن تنهد وقال: (خلها على الله!) تألمت ولكني أكبرت فيه صبره وعöزة نفسه فهو موظف متقاعد ليس له من دخل سوى راتب التقاعد الذي لا يكفيه بالضرورة.
هذا واحد من كثير ممن أعرفهم وممن لا أعرفهم ولا يزالون يكتبون ويبدعون لوطن أجمل يحلمون فيه بمن يوليهم ما يستحقون من اهتمام ورعاية.

قد يعجبك ايضا