زبيد من الداخل

خليل المعلمي

عندما نقرأ ونسمع عن “زبيد” مدينة العلم والعلماء وعن تراثها وتاريخها وما قدمته للعلم وللعلماء ولطلابها الذي كانوا يأتون إليها من كل حدب وصوب ليس من مناطق اليمن المختلفة فقط ولكن من مختلف مشارب الأرض من شرقها ومن غربها فقد قصدها طلاب العلم من المشرق ومن المغرب طلبا للعلم وعندما نطلع عن ما خلفته هذه المدينة من معالم وآثار تاريخية وسياحية وحضارية فإننا نكون أكثر شوقا واشتياقا لزيارتها والتعرف عن قرب عن هذه المعالم التي تعتبر نتاجا لتاريخ عريق صنعه اليمنيون عبر تاريخهم وتدل أيضا عن أهمية المدينة التي ظلت عاصمة لعدة دويلات حكمت اليمن في العصر الإسلامي.
أما زبيد من الداخل فإن القادم لزيارتها يتفاجأ عندما يجد معالم هذه المدينة في تدهور مستمر وأن الاهمال هو سيد الموقف فسور المدينة الذي ظل لقرون شامخا ومعلما بارزا من معالم المدينة لم يتبق منه إلا البوابات الأربع بينما طغت المباني الحديثة الحكومية منها والخاصة على موقع السور كما أن معالم المدينة وروعة وجمالها بدأ يختفي مع اختفاء ساحات المدينة التي يتم الاعتداء عليها والبناء عليها بالطوب والاسمنت وكذلك عدم ترميم المباني القديمة التي تعتبر فريدة في تصميمها ونوعية المواد المستخدمة في بنائها وظهور المباني الاسمنتية الأمر الذي يتطلب الكثير من الجهود لإزالة هذه المباني ومن ثم إعادة المدينة إلى سابق عهدها.
في ابريل الماضي وبدعوة من مكتبة زبيد العامة لحضور مسابقة شاعر زبيد للعام 2013م قمت بزيارة المدينة العتيقة وأصابتني الدهشة أنا والمدعوين إلى هذه المسابقة من شعراء وأدباء ونقاد ومن ضمنهم لجنة تحكيم المسابقة لما أصاب هذه المدينة من اهمال أدى إلى تكرار التحذيرات من منظمة اليونسكو لشطبها من قائمة التراث العالمي.
أيام معدودة في زبيد لا تكفي لاكتشاف ما تكتنزه هذه الجوهرة الفريدة من تاريخ فريد ومعالم وآثار إسلامية من مساجد ومدارس وقلاع وكلها تحكي قصة هذه المدينة منذ بداية الإسلام ومرورا بالدويلات التي تعاقبت عليها وكل منها قد أضافت المزيد إلى تاريخها وآثارها ومعالمها حتى عصرنا الحاضر.
وليست معالم وآثار المدنية الخالدة هي ما تبهر زائرها ولكن أيضا نقاوة وبشاشة أهلها وحسن أخلاقهم العالية وثقافتهم المتميزة والناتجة عن اطلاعهم عن كل ما هو جديد في مجالات الثقافة المختلفة وهذا ما اكتشفته عندما حضرت إحدى الندوات الثقافية التي أقيمت على هامش المسابقة وقد تبارى العديد من شبابها في قول الشعر والذي تنوع بين شعر التفعيلة والشعر العمودي والحر والفصيح والعامي فتكشفت لنا تلك الندوة والتي لم تضم إلا القليل من شعراء ومثقفي هذه المدينة بأنها زاخرة بالعطاء مجددة للأجيال المثقفة والمبدعة.
بعد وقت قصير من وصولي إلى المدينة قمت بجولة سريعة داخل المدينة فمررت بالسوق القديم في المدينة والذي يتم ترميمه من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية باستخدام الطريقة التقليدية بواسطة أحجار الآجار والأخشاب تمهيدا لافتتاحه مرة أخرى وذلك للمحافظة على طابع المدينة المعماري.
ومن المعالم التي قمت بزيارتها الجامع الكبير بزبيد والذي كان يخضع لعملية ترميم ليس على حساب وزارة الأوقاف ولكن على حساب أحد فاعلين الخير من إحدى دول الجوار كما أخبرنا المقاول الذي يقوم بالترميم على الرغم ما يملكه الجامع من أوقاف كثيرة كانت تستخدم في السابق ليس فقط لعمليات الترميم ولكن لكفالة طلاب العلم الذي يأتون إلى هذا الجامع وقد أظهرت عملية الترميم النقوش والزخارف الجميلة التي غطتها على فترات زمنية استخدام مادة النورة البيضاء التي كانت تستخدم لتبييض الجدران بدون إدراك من القائمين على ذلك بأن الاستخدام العشوائي لهذه المادة تقوم بتغطية النقوش والزخارف التي تزين الجامع.
مررت أيضا بجامع الاشاعر الذي بناه الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري والذي كان يخضع أيضا لعمليات ترميم من قبل الصندوق الاجتماعي للتنمية وقمنا بزيارة أيضا لجامع الاسكندرية وعدد من المساجد الصغيرة داخل المدينة والتي تحتاج إلى ترميم سريع حيث وجدناها في حالة يرثى لها من الاهمال وكذلك مبنى القلعة والدار الناصري ومتحف المدينة وغيرها من المعالم الأخرى وذلك برفقة عدد من الأدباء والمثقفين من أبناء زبيد والذين تركوا في أعماقنا انطباعا رائعا عن أخلاق أبناء هذه المدينة الرائعة.
وعلى الرغم من المحاولات البسيطة في الحفاظ على الطابع المعماري لهذه المدينة في إعادة ترميم بعض المعالم والمباني وجهود بعض الأشخاص في إعادة ترميم منازلهم بالطريقة التقليدية المكلفة إلا أن الجهود لازالت قاصرة من السلطة المحلية في المدينة ومن محافظة الحديدة التي تتبعها المدينة بل ومن الحكومة التي لم تقم بواجبها الكامل تجاه التحذيرات التي تتلقاها هذه المدينة من قبل من

قد يعجبك ايضا