الميكروبات وأثرها على السياسة العالمية
د عبد القوي الفقيه
د/ عبد القوي الفقيه –
يزمان لايريد مكافأة مادية ليشتري له بيتا أو يعطي ميدالية ذهبية مزخرفة بنقوش تظل حبيسة الحواجز الزجاجية في مكتبه فهو لا يريد شيئا من ذلك لأن إيمانه بقضيته جعلته يؤمن بالتضحية بكل الماديات في سبيل العمل لها
> قد يثير عنوان هذا الموضوع استغراب وعجب بعض القراء فكيف يكون للميكروبات Microbesالتي عرفت منذ حوالي ثلاثة قرون أثرا على سياسات الدول في هذا الكوكب لكن استغراب وعجب هؤلاء الناس يزول حينما نذكر لهم قصة لها خفايا وأسرار يجهلها الكثير والقصة هي قضية إحتلال فلسطين من قبل اليهود في العام 1948م وقيام دولة إسرائيل المشؤومة على هذه الأرض العربية.
تبدأ القصة من أيام الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) حيث كانت بريطانيا العظمى-كما كانت تسمى في ذلك الحين- مع الحلفاء أحد أطراف في هذه الحرب وكان المجهود الحربي للحلفاء على مقربة من الانهيار وكادت بريطانيا تخسر الحرب بسبب طول الفترة وقلة المواد الأولية المستخدمة في تصنيع الأسلحة والمتفجرات وعلى رأس هذه المواد مادة الأسيتون (مادة كيميائية مذيبة) المستخدمة في إذابة النتروجلسرين لصناعة مادة الكوردايت (المفرقعة الدافعة) التي يحشون بها الرصاص والقنابل.
لفد كانت هذه المادة تصنع بطرق كيميائية عضوية مكلفة كما أن الكمية المنتجة منها قليلة لاتلبي احتياجات بريطانيا للاستمرار في هذه الحرب لذلك لجأت بريطانيا إلى علمائها فأصدرت تعميما إلى كل المؤسسات البحثية للبحث عن طريقة جديدة غير مكلفة وذات كفاءة عالية في الإنتاج.
خلال هذه الفترة كان هناك باحث يهودي صهيوني ذا أصول روسية إسمه حاييم ويزمانChaim Weizmann عين مديرا لمختبر في سلاح البحرية البريطانية وقد كان هذا الباحث مهتما بالتخمرات البكتيرية Bacterial fermentations يعمل على تنمية البكتيريا في ظروف معينة على مخلفات صناعية رخيصة الثمن لتحولها البكتيريا فيما بعد – بعمليات أيضية داخل خلاياها – إلى مواد جديدة مفيدة وذات جدوى اقتصادية وبعد تجارب عديدة وخلال شهر واحد حصل ويزمان على الضالة المنشودة لبريطانيا بل وله أيضا لما سيحقق منها من مكاسب كبرى في خدمة القضية اليهودية لقد حصل ويزمان على مادة الأسيتون بكميات كبيرة وبطريقة غير مكلفة عندما قام بتنمية بكتيريا Clostridium على مخلفات من مصانع إنتاج النشأ تسمى Corn steep liquor ومخلفات تسمى بالمولاس Molasses (سائل بني كثيف كناتج ثانوي من عملية البلورة النهائية لتصنيع السكر) وسميت هذه البكتيريا فيما بعد بإسم البكتيريا المولدة للأسيتون Clostridium acetobutylicum وبهذا الاكتشاف الكبير الذي دعم المجهود الحربي لبريطانيا يكون ويزمان قد كسب ود الحكومة البريطانية وأصبح بفضل ذلك مقربا من السياسيين البريطانيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء في تلك الفترة ديفيد لويد جورج Lloyd George David وأيضا من بيده مفاتيح السياسة الخارجية لبريطانيا أرثر جيمس بلفور Arthur James Balfour والذي كان معجبا بويزمان حين التقاه في العام 1906م فتعامل مع الصهيونية باعتبارها قوة تستطيع التأثير في السياسة الخارجية الدولية.
أرادت الحكومة البريطانية تكريم ويزمان مقابل