الدولة المدنية ..

د.محمد علي بركات


د.محمد علي بركات –

بالرغم من أن الفرقاء السياسيين أصبحوا جميعا يدعون صباح مساء إلى التغيير وإلى بناء الدولة المدنية الحديثة وإلى المواطنة المتساوية وكفالة حق التعبير .. وبالرغم من الوفاق والاتفاق الذي أثمر عنه تشكيل حكومة الوفاق الوطني واختيار الرئيس التوافقي وإجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة التي تمت في مناخ ديمقراطي وبإقبال جماهيري كبير ..
كان يفترض أن يمضي الجميع لإنجاز مهام المرحلة الانتقالية بتفاهم وتواؤم وفقا لإدراك ووعي كافة الأطراف بأهمية المصـلحة العليا للوطن وأبنائه ومن منطلق الحرص على العبور بالوطن إلى بر الأمان دون تباطؤ أو سوء تقدير .. وكذا انطلاقا من حرص جميع المخلصين على ضرورة اجتياز مختلف الصعوبات التي تعرقل السير الحثيث لتحقيق المهام الوطنية المتفق عليها خلال هذه المرحلة من تاريخ اليمن على طريق الإصلاح والتغيير ..
ولكن لشديد الأسف: فإن النفوس كما يبدو لم تصف بعد لدى البعض ممن يسعون لتعميق الخلافات والنفخ في الكير .. وخلق العراقيل والإحباطات التي تعطل عبور سفينة النجاة التي تحمل على ظهرها جميع أبناء اليمن لتعبر بهم نحو المستقبل وولوج صرح الدولة المدنية التي ينشدها الجميع وتمثل المطلب الأساسي للكبير والصغير ..
ولهذا فالواجب الوطني يحتم على كل الخيرين من أبناء الوطن الوقوف بجدية وصرامة ضد أية عرقلة لمسيرة التغيير والإسهام الفاعل في القضاء على الفساد لتجفيف منابعه أينما وجدت وعلى أية بقعة من أرض اليمن الطيبة فهو أس كل بلاء وشر مستطير ..
أنويفترض أن يكون الهدف السامي لكل القوى السياسية هو المصلحة العليا للوطن أرضا وشعبا ولابد أن يكون إيمان كل وطني مخلص بأن تلك المصلحة تعلو على المصالح الحزبية أو المصالح الذاتية دون أية حسـابات أخرى ودون انجرار أي طرف إلى تدبير المكائد للآخر أو تصيد المواقف دون مراعاة لضمير .. وبناء على ذلك فإن تحقيق الهدف المنشود أمر ملزم لكافة القوى السياسية المؤمنة بهذا المبدأ وعلى الجميع تقع مسؤولية إنجاز الخطوات اللازمة لتجاوز الأزمات والمشكلات القائمة التي تؤرق أبناء الوطن وتعرضهم للمعاناة المستمرة وذلك يتطلب الثبات والحرص على المصلحة العامة والأخذ بالرأي الذي يدعو إلى كل خير ..
أم أنه قد كتب على المواطن اليمني أن يظل يتجرع كؤوس الظلم والمعاناة جراء خلافات الإخوة الأعداء الذين ربما يستمتعون بتعذيبه ليحولوا أحلامه البسيطة في العيش بسلام وحرية وكرامة إلى (كوابيس) ونكد وشعور بعدم الأمن والاستقرار وإلى واقع مرير ..
وذلك يتضح بجلاء في ضبابية وربما في غياب الرؤية الوطنية الثاقبة للتعامل مع كافة القضايا الوطنية التي يجب التعامل معها ومعالجتها بعقلانية وهدوء بعيدا عن الصدامات والصراعات التي تزعزع الأمن والاستقرار وتعرض الوطن للتخريب والتدمير .. كما يتجلى كذلك في الشعور بعدم الأمان لدى المواطن في عدد من محافظات الجمهورية وعلى وجه التحديد المحافظات التي تتركز فيها النشاطات الاقتصادية والسـياسية كأمانة العاصمة صنعاء وتعز وعدن وحضرموت إضافة إلى ما تعانيه محافظات أخرى من انفلات أمني بل ويسودها غياب الدولة مما ينذر لو استمر بعواقب وخيمة وبسوء المصير .. بالإضافة إلى انتشار المواجهات المسلحة واستمرار الاعتداءات على أبراج الكهرباء وأنابيب النفط وانتشار المسلحين في المدن وفي الطرقات الطويلة مما يسبب الفزع والرعب لسكان المدن والمسافرين بين المحافظات وكل تلك الظواهر غير السوية تقض مضاجع الناس وتقلق السكينة العامة والسلم الاجتماعي وتضر بمصالح ومعيشة الغني والفقير .. وهناك من بدأ اليأس يتسرب إلى نفوسهم حيث تغيرت رؤيتهم المتفائلة للمستقبل وهذا مؤشر خطير بالاهتمام جدير ..
فهلا بادر الجميع إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل لطرح كافة القضايا كبيرة كانت أم صغيرة بكل وضوح وشفافية مطلقة والتعامل معها بكل جدية لتنبثق عن ذلك رؤية وطنية واضحة المعالم تقود إلى تحقيق العدل والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية وتطبيق النظام والقانون على الجميع الصغير والكبير الغفير والوزير ..¿
وهلا أدرك القائمون على تنظيم هذه التظاهرة الوطنية أهمية توسيع دائرة المشاركة في الحوار الوطني لتضم كافة القوى الوطنية والأطراف الفاعلة في المجتمع اليمني دون استثناء الشيوخ والشباب الرجال والنساء من ذوي الرؤى الصائبة الثاقبة والفكر المستنير ..¿
نتوقع إثر ذلك أن يتوج ذلك الحوار الوطني الشامل بوضع خارطة طريق ترشد الجميع إلى المضي نحو المستقبل المؤمل وفق تلك الأسس التوافقية.. وحينها يمكن أن نلمح النور الذي ينير لنا الطريق الحقيقي لبناء الدولة المدنية لا الدولة البدنية .. وتلك هي القضية.

Drbarakato@gmail.com

قد يعجبك ايضا