كائن من تراب القلوب
–
بكيل محمد المحفدي
هو الشعر.. يعصرنا كيف شاء ويمتص منا رحيق الدروب ويهبط وحيا على السكنات.. نلوذ به من قتامة أيامنا والمنايا إذا ما ادلهمت بنا والحنين.
فيفتح أحضانه للولوج إلى عالم مستساغ نمشط فيه أساريرنا حين تمرح مستبشرات بكنه الحواس اللواتي تهمهم بالصمت حينا وحينا تناغي لها الكلمات.. فيوقظ فينا مواجيدنا السابحات على مهل من رؤاه ويكتبنا كيف شاء.
هو الشعر يحمل أزهارنا في خشوع ويدنو لكي يستشف بأرواحنا طيفه الضيف ظلا من الأحرف البكر والصورة الناطقة.. فنملأ أوعيه البوح كنز الكلام ونغسل أفواهنا من شجاه فينداح سحرا يدثرنا كيف شئنا ونلبسه كيف شاء.
هو الشعر آلهة للكلام إذا ما تأله يأتم في ملكوت المعاني بمحرابه الناسكون على ضحوات العقول يناجي بهمس المرايا اكتمالاتنا كيف شاء.
هو الشعر ميلاد أجنحة في فضاء المدى قد يحلق فوق احتمال الفضيلة فوق احتمال الغواية فوق احتمال الكلام وفوق احتمال الجنون بعيدا بعيدا عن الكائنات.. وقد يوغل الشعر في جدب أرواحنا قطرة من ضياء فتورق أغصانه المثقلات بطل المنى نستظل بها من هجير الحداثة أو من شراك الغثاء.
هو الشعر موج من الزفرات على ليلنا والأماسي العقيمة يحسو بسلطته مترعات الغيوم رغبا على شأونا.. يتربص بالعابرين – على مضض – من شفير اندهاشاته وصداه الموشى بهمس التسابيح والأغنيات يرتلنا كيف شاء.
هو الشعر ذاك البساط المسجى من الكلمات التي تستبيح سنا الأبجدية كيما تشب تلابيبها في عروق البهاء سلاما إذا جئته بالسلام.. وزوبعة أجهشت بالهيام ورعشة أسلافنا في غياهب وحشتنا لا تنام فدم أيها الشعر ما شئت نبضا لأحرفنا الثاويات قراره أنفسنا واروها من مواويل سفرك ما شئت من فيض ما ترتئي ما تشاء.
هو الشعر صغناه تاجا من الدفء بل لغة من جلال خلقناه في خلوة كائنا من تراب القلوب فيشدو بأنشودة الكون يكسوه.. حاء وباء.