الشفافية في النفط والغاز لتعزيز الموازنة العامة (2-1)
أ.د طه أحمد الفسيل
أ.د طه أحمد الفسيل –
أخيرا تنفس اليمنيون الصعداء وانفرجت أساريرهم بعد أن طمأنهم السيد ميرزا حسن المسؤول في البنك الدولي بأن الوقت الحالي غير مناسب لزيادة أسعار المشتقات النفطية. مع ذلك فإن تصريح السيد ميرزا لا يعني بأن المشكلة قد حلت وإنما تم تأجيل هذا القرار مؤقتا لأسباب سياسية حتى يحين الوقت المناسب خاصة وأن الموازنة العامة للدولة تعاني من اختلالات عميقة تتسم باتساعها وتعدد أسبابها وجذورها الأمر الذي يتطلب سياسات وإجراءات وأساليب جديدة غير تقليدية. فالمعالجات القديمة المتجددة وفي مقدمتها رفع أسعار المشتقات النفطية لم تؤد إلى تحسين وضع الموازنة العامة باعتبارها مسكن مؤقت تستسهلها الحكومات متجنبة بذلك مسؤوليتها الحقيقية من خلال اتخاذ سياسات وإجراءات قوية وحقيقية تساهم فعلا في معالجة جذور المشكلة وأسبابها الحقيقية دون الاقتصار على مظاهرها.
وتكمن المشكلة بصورة أساسية في أن قطاع النفط يشكل القطاع الاستراتيجي الأهم في الاقتصاد اليمني منذ منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي وتزايدت أهميته خلال الثمان السنوات الأولى من الألفية الثانية ليصبح هذا القطاع هو القطاع الأكثر هيمنة على التوازنات الداخلية والخارجية والمحرك الأساسي للنمو الاقتصادي ومسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن رغم الإصلاحات القانونية والإدارية والتنظيمية التي تمت في جانب الموازنة العامة منذ بدء برنامج التصحيح الاقتصادي والإداري في مارس 1995م وحتى الآن.
لذلك فإن الإيرادات العامة للموازنة ما تزال تعاني من استمرار اختلال بنيانها الهيكلي نظرا لاستمرار اعتمادها الكبير على إيرادات النفط المصدر والمباع محليا مع اتسام النظام الضريبي بالجمود النسبي. ويشير إلى ذلك تزايد أهمية الإيرادات النفطية في إجمالي الإيرادات العامة من (15.1%) عام 1994م إلى حوالي (69%) في عام 2001م لتصل في عام 2008 إلى (73.1%). وعلى الرغم من تراجع هذه الأهمية النسبية خلال السنوات التالية (2009-2012م) بسبب الانعكاسات السلبية للأزمة المالية والاقتصادية العالمية من ناحية وعمليات التفجير المستمرة لأنابيب النفط ومحطات الغاز من ناحية أخرى إلا أن الإيرادات النفطية ما تزال تشكل المصدر الأهم.
وبناء على ما سبق اعتقد بأنه يمكن زيادة الإيرادات العامة للدولة من خلال زيادة الشفافية والمساءلة في إيرادات النفط والغاز كون السرية في قطاعي النفط والغاز تمثل العقبة الرئيسية التي اعاقت تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية في اليمن خلال الفترة الماضية على العكس من ذلك تصاحب نمو إيرادات النفط مع زيادة الفقر والفساد والصراع السياسي في اليمن بحيث يمكن القول بأن “لعنة الموارد” قد أصابت غالبية الشعب اليمني نتيجة غياب الشفافية والمساءلةسواء فيما يتعلق بالعقود التي كان يتم عقدها مع الشركات الأجنبية وكذلك في المبالغ التي تدفعها الشركات للدولة والإيرادات التي كانت تتلقاها من تلك الشركات إلى جانب كيفية إنفاق هذه الإيرادات بما يخدم تنمية المواطنين.
في ظل غياب الشفافية والمساءلة بدأت الجهات المانحة تضغط على الحكومة اليمنية للانضمام إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في مقدمتها البنك الدولي الذي بادر في ديسمبر 2005م بتقديم مصفوفة سياسات إصلاحات واسعة للمديين القصير والمتوسط إلى الحكومة اليمنية تضمنت انضمام اليمن إلى مبادرة الشفافية الأمر الذي تم إدراجه في أجندة الإصلاحات الوطنية التي أقرها مجلس الوزراء خلال شهر يناير 2006م ثم الإعلان رسميا عن التزام الدولة اليمنية بالانضمام إلى المبادرة في مؤتمر المانحين لليمن بلندن في نوفمبر 2006م.
كما جعل البنك الدولي الانضمام إلى هذه المبادرة شرطا مسبقا لموافقته على منحة الإصلاح المؤسسي 2007م لليمن بمبلغ 51 مليون دولار ولذلك أكدت الحكومة اليمنية في خطابها إلى رئيس البنك الدولي بتاريخ 6 أكتوبر 2007 على أهمية الإيرادات النفطية للموازنة العامة للدولة اليمنية وأنها ستتبع الشفافية في الموازنة العامة لتحسين الحوكمة والمساءلة وفقا للمعايير الدولية بما في ذلك الانضمام إلى مبادرة الشفافية.
ومع ذلك فإنه رغم موافقة مجلس الوزراء في مارس 2007م على انضمام اليمن إلى هذه المبادرة وكذلك موافقة مجلس إدارة المبادرة في أغسطس 2007م على ذلك رسميا كـ”عضو مرشح”ثم تشكيل مجلس اليمني للشفافية في الصناعات الاستخراجية من ممثلين عن الحكومة منظمات المجتمع المدني وشركات النفط بغرض مراقبة وتسهيل تنفيذ هذه المبادرة إلا أنه