الوحدة السياسية والتعدد الثقافي

عبدالله السالمي


 - لا تشترط الوحدة السياسية بين أكثر من كيان ديموغرافي وجيوسياسي أن تكون الكيانات الساعية إلى الوحدة السياسية متوحöدة ثقافيا بمعنى أن التجانس الثقافي ليس بالضرورة
عبدالله السالمي –

لا تشترط الوحدة السياسية بين أكثر من كيان ديموغرافي وجيوسياسي أن تكون الكيانات الساعية إلى الوحدة السياسية متوحöدة ثقافيا بمعنى أن التجانس الثقافي ليس بالضرورة شرطا في الوحدة السياسية فقد تتم الوحدة السياسية بين كيانات ينقصها الكثير من مستويات التجانس الثقافي كاللغة الواحدة والدين الواحد واستيهام العودة إلى أصل إثني واحد..
ثمة تجارب ناجحة للعديد من الدول الاتحادية التي لم يحل عدم التجانس الثقافي بين عناصرها ومكوöناتها من انتظامها ضمن صيغ اتحادية سياسية تضمن واحدية الدولة من جهة وتحفظ حق التعدد الثقافي لكياناتها من جهة أخرى كما هو الحال بالنسبة لبريطانيا وكندا على سبيل المثال.
والتعددية الثقافية كمفهوم راج مؤخرا على مستوى العالم بما في ذلك الأقطار العربية لاسيما التي تعاني من توترات طائفية وإثنية إنما يطرح هذا المفهوم بوصفه نظرية في إدارة التعدد قضية الخصوصية التي تمتاز بها هذه الجماعة عن تلك داخل حدود الدولة الواحدة وحقها في الاحتفاظ بخصوصيتها والكينونة على ما هو من سماتها المميزة.
في اليمن ورغم أنه لا وجود لتعددية ثقافية بالمستوى الذي يحول دون التجانس الثقافي أيú بالرغم من واحدية اللغة والدين وكذلك الثبات التاريخي على الأرض بوصفها من أهم عوامل التجانس الثقافي إلا أن المجتمع لا يخلو من مستويات من التعدد الاجتماعي تبعا للتنوع الجغرافي والمذهبي ولعوامل أخرى تاريخية وسياسية أسفرتú عن تنوع وتعدد وثراء في العادات والتقاليد واللهجات وطرائق العيش كافة.
هذا المستوى من التعدد أو التنوع الذي ينطوي عليه المجتمع اليمني كان ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار لا على أنه ومن تلقاء ذاته يمúكöن أن يشكل في يوم من الأيام عائقا أمام الوحدة السياسية. وإنما على أساس أن سوء إدارة النظام السياسي لهذا التعدد والتنوع المجتمعي هو أحد مؤشöرات اشتغال النظام السياسي على تقويض الوحدة السياسية والإجهاز عليها.
خطر لي أن من بين ما يمúكöننا الحديث عنه بعد مضي ثلاثة وعشرون عاما على إعلان الوحدة السياسية بين نظامي صنعاء وعدن في عام 1990م هو التذكير ولو على سبيل الإجمال بما كان لاحقا من سوء إدارة النظام السياسي في اليمن الموحد للتعدد المجتمعي وما رافق العقد الأخير بشكل خاص من انبعاث صارخ للهويات الطائفية والجهوية جراء الاستبعاد السياسي والإقصاء الاجتماعي والحرمان الاقتصادي الممارسöين من قöبل النخبة الحاكمة في حق المجتمع.
أما لماذا¿ فلبيان أن التعدد والتنوع المجتمعي ليس في حد ذاته المشكلة وإنما هي في سوء إدارة النظام السياسي للتعدد فالحاكم حينما حول التعدد المجتمعي من عامل ثراء واستقرار إلى عامل اضطراب وتأزيم وبقدر ما أحال الدولة إلى مزرعة خاصة به ومريدية فإنه إنما أراد أن يضمن احتفاظه بالسلطة إلى أبعد مدى.
ومن ثم فإن المدخل إلى دولة الوحدة يرتبط أساسا باستعادة الدولة لهويتها المصادرة.
وبدلا من اختصارها في سلطة لا تنتفع بها إلا مراكز القوى التي راكمتú بها هيمنتها السياسية والاقتصادية على مدى سنوات طويلة يتوجب إعادة الدولة للمجتمع بإشراك أفراده في المنافع السياسية والاقتصادية وفق سياسات عادلة ومنصفة من جهة ومن جهة أخرى إشعارهم بانتظامهم في هوية كلية جامعة لا تصادر التعدد والتنوع المجتمعي والهويات الفرعية لأي منهم أو تتبنى ما هو من خصوصية هوية فرعية دون أخرى وإنما تبنى على القواسم المشتركة بين الهويات الفرعية.

قد يعجبك ايضا