جامعاتنا .. بين الرؤية الغائبة و الانفصال عن المجتمع و قضاياه
د. فاضل القعود

د. فاضل القعود –
في البداية لا يمكننا – بطبيعة الحال – أن نتحدث عن الجامعة أو التعليم الذي يوصف بالعالي دون الإشارة إلى أهمية التعليم بكل مراحله وصوره وأشكاله بدءا من المرحلة التمهيدية ومرورا بالأساسية و انتهاء بالمرحلة الثانوية ذلك أن التعليم – إجمالا – هو منظومة واحدة ذات حلقات متصلة ومترابطة ترابطا عضويا ليخدم بعضها بعضا حتى إنه ليمكننا القول بأنه إذا كان التعليم معافى سليما في مراحله الأولى التأسيسية (التعليم العام ) فإنه – ولاشك – سيكون معافى سليما في مراحله العليا ممثلة بالمرحلة الجامعية و ما بعدها الأمر الذي ينذر – في النهاية – بتطور المجتمع و تقدمه و ازدهاره و العكس صحيح تماما.
وعلى أية حال فإن الجامعة تمثل ذروة سنام المراحل التعليمية إن لم نقل إنها – بالفعل – محرق كل المراحل وحصادها والحاضنة التفاعلية الخلاقة التي من خلالها يتم تشكيل الشباب و الأجيال و تكوينهم وصناعتهم و إكسابهم المهارات و القدرات و الخبرات والعلوم حتى يستحيلوا إلى طاقات فاعلة منتجة تخدم مجتمعاتها. بعبارة أخرى إن الجامعة- كما هو معلوم تصورنا – تمثل النبع الصافي العذب لنهر المعرفة و العلم وصناعة شخصية الفرد و تأهيل القوى البشرية هذا النهر الذي يكون مصبه بكل معطياته العذبة النقية فضاء خدمة المجتمع و كل ما من شأنه نهوضه و تطويره و حل مشاكله و مواجهة تحدياته. ويكفي أن نستشهد على ذلكم بأزمة الطاقة التي عصفت بالغرب عموما و الولايات المتحدة خصوصا في العام 1973م وذلك عندما اتخذ العرب قرارا شجاعا يقضي بالحد من إنتاج النفط وتصديره إلى الغرب فما كان من القائمين على السياسية الأمريكية إلا أن لاذوا بالجامعات مستعينين بكوادرها التي انتهت إلى حلول ناجعة و حاسمة كان من شأنها تخفيف الاستهلاك إلى أن وصل إلى نسب متميزة لا سيما في ما يتعلق باستهلاك السيارات حيث و صلت النسبة إلى 70 ٪ !!
و من هنا تنبع أهمية الجامعة و تتجلى العلاقة الجدلية الخلاقة بين الجامعة والمجتمع لذا فلا غرابة إن وجدنا الجامعة تتبوأ عند الأمم النابهة – منذ غابر الأزمان – المكان الأسنى و الصدارة في مجتمعاتها بوصفها قلاعا للتنوير و شموس إشعاع لكل ما هو جديد من الأفكار و المعارف و الأبحاث والمخترعات فضلا عن كونها منابر تنبثق من صروحها المقدسة آراء المفكرين و العلماء و الفلاسفة و قادة الإصلاح و التنوير و التغيير المشتهى . و من أفق هذا الدور المتميز الخلاق وهذه المعاني الجليلة تأتت مكانة الأستاذ الجامعي حيث وجدنا مهنته السامية تحاط بهالة من التقدير و الإجلال من قبل المجتمع قلما تحظى به سواها من المهن الإنسانية الأخرى.
و في
