التجربة البصرية في المعادلة الشعرية المعاصرة

عبدالرحمن مراد

مقالة


عبدالرحمن مراد –

مقالة

تعتمد الصورة الشعرية على العناصر الحسية في البناء العام وتلعب الحواس دورا كبيرا في التركيب والتأليف والتناغم للصورة فالايحاء الحسي أكثر تأثيرا في التعبير وهو الأوسع استخداما في البناء الفني وبالضرورة لابد أن يتآزر مع التأمل وينصهر في الموضوع ليكون أكثر بيانا لما يتشكل في الوجدان فالتصوير ـ كما يذهب الكثير ـ هو رسم قوامه الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطفة وهي لاتخرج عن مرجعيتها البصرية أو السمعية أو غيرها من الحواس من حيث إعادة إنتاج المشهدية للأشياء والأثر النفسي لها من خلال الصيغة التأملية التفاعلية في المنظومة الفكرية التي في الغالب تتسم بالحرية والتنظيم وهو الأمر الذي يجعل المبدع قادرا على التحكم من خلال الوعي بالوظيفة البصرية للبنية والتأليف بين الأبعاد الفنية للنص فيوازن ـ بالضرورة ـ بين الفكرة والصورة من حيث المعادلات الجمالية الناشئة من التحليل والتأليف والتركيب والتعديل ومع طول المران يتمكن المبدع من السيطرة على التجربة النصية ومدلولاتها الجمالية.
والتجربة البصرية في الفن هي من أكثر الحواس حيوية في التصوير لذا نجد الشعراء يميلون إلى الاعتماد عليها في نصوصهم وهي تحضر في النصوص الشعرية منذ القدم في بنيتها التشبيهية أو الاستعارية أو المجازية وقد يجهد الشاعر نفسه لصياغة ما يماثل آخر كبشار ابن برد الذي تروي عنه كتب الأدب أنه كان ينوي مماثلة أمرىء القيس في إحدى صوره البصرية المركبة والواردة في قوله:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا
لدى وكرها العناب والحشف البالي
وما يزال بشار يجهد ذهنه حتى قال:
كأن مثار النقع فوق رؤوسهم
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
فالصورة في تشكيلاتها البلاغية ـ وفق مقاييس ذلك الزمن ـ كانت مسيطرة على إشتغالات الشعراء واهتماماتهم وما تزال التجربة البصرية هي من حيث الاشتغال النصي والاشتغال الشعري بما تفرضه العلاقة الخفية والمتلازمة بين المرئي واللا مرئي وبين الروحي والمادي في البنية الاستعارية البصرية إذ أصبحت أكثر حضورا وحيوية وأكثر شعرية من حيث قدرتها على التحرك في الأفق التأويلي ومناجاة أقاصي الوعي عند المتلقي يقول: إروين إدمان أن الشاعر في الصورة التي يبدعها يعود إلى وظيفة أخرى للصورة وهو تحطيم الصور والمعاني المتوارثة في عقولنا التي انبعثت منها وترتب عليها ليستعيض عنها بصور أخرى أكثر جدة وحداثة تصبح تجربتنا بمقتضاها أكثر حيوية وحدة وتأثيرا إلا أن من الجدير الإشارة إليه هنا عدم الاقتصار على إستعادة البهاء الحسي للأشياء وتصوير تجربة الشاعر فحسب ؤإنما ليبعث الحياة والحيوية والنمو الصحيح فيها بعد ربطها المحكم بعواطفنا وآمالنا ومخاوفنا الداخلية وتقاليدنا ورغباتنا وشكوكنا وهواجسنا من الصورة التعبيرية غير المباشرة عن حياتنا الصاخبة.
وتتوزع الحركة في التجربة البصرية للنص من حيث الانتظام والانقطاع والتواتر والتناوب بالاستناد على البنى التركيبية والتأليفية بين مختلف التفاعلات والعناصر المحدثة للحركة الداخلية ـ التفاعل الكيميائي للنص ـ وقد تحدد تلك الحركة في الأبعاد التالية:
– التفاعل الفطري
– التفاعل المنبعث من الطبيعة والكون
– التفاعل الكامن في الأشياء.
وخلف تلك القيم التفاعلية تكمن الشعرية البصرية للنص الحديث وتظهر من خلال خاصية الحركة الداخلية التفاعلية في البنية النصية البلاغية وخاصية الحركة الخارجية القائمة على التذوق وهي العملية التي ينتج عنها الإدراك فالدهشة فالانجذاب إلى العمل الفني النصي وبما يحقق المتعة من خلال الصيغة التفاعلية بعملية التوحد والاندماج مع التجربة الجمالية.
فالفن في الشعرية المعاصرة قد تجاوز نمطيته البسيطة التقليدية وذلك باعتماده لغة فنية حديثة ترتكز في مقامها الأول على مفردات وصيغ تشكيلية تستوعب مفهوم الزمن في حركته وفق الصيغة التفاعلية للأشياء وبحيث تنتج عملية توليد الأشكال حركة بصرية تتحرك في أفق التأويل وتناجي أقاصي الوعي عند المتلقي من حيث توزيع المساحات وتوازن الكتلة النصية والفراغ داخل التصميم البنائي للتركيب ودلالات علامات الترقيم وحجم الحرف ومثل هذا الاتجاه للتجريب البصري في المعادلة الشعرية نجده أكثر تمظهرا عند شعراء المغرب العربي الذين يعتمدون الحركة البصرية في التأليف التشكيلي للنص ومن خلال وحدة التركيب للنص يتمكن العقل من تحديد رؤيته للعمل الشعري / أو النص / التي ترتكز على خواص التأمل والإدراك والملاحظة وتصبح المساحة الفكرية لامتناهية من حيث فهم وتحليل وتأويل النص.
إذن ثمة علاقة جدلية بين البناء النصي في الشعرية المعاصرة والتأليف التشكيلي له وبين عناصره البصرية وقدرته التفاعلية في الزمان والمكان ـ فوفق المحددات التي أسلفنا ذكرها ـ وهي دالة على القي

قد يعجبك ايضا