بين يدي القمة العربية القادمة

حسن اللوزي

 -  ليس هناك ما هو أشد وطأة من احتراق الضمير العربي في معاناته المستمرة في وهدة التمزق والتخلف والضياع وإملاءات التبعية كثمرة مريرة لحلقات التآمر التي وجهت ضد الأمة العربية وفي مواجهة نضالها المستميت من أجل نهوضها القومي وامتلاك وجودها الحضاري الجديد.
حسن اللوزي –
ليس هناك ما هو أشد وطأة من احتراق الضمير العربي في معاناته المستمرة في وهدة التمزق والتخلف والضياع وإملاءات التبعية كثمرة مريرة لحلقات التآمر التي وجهت ضد الأمة العربية وفي مواجهة نضالها المستميت من أجل نهوضها القومي وامتلاك وجودها الحضاري الجديد.
ولا شك أن هذه المعاناة تزداد اليوم قسوة مع معطيات العصر والتحولات الكبيرة التي تشهدها علاقات الأمم والشعوب وفي ظل تفاقم الهيمنة الغالبة للحضارة الغربية ودخولها لمدار جديد يكاد يحيط بالعالم المعمور ويعود به نحو الهيمنة الكاملة.
ولا شك أن أمتنا اليوم هي في أشد أحوالها ضعفا وتفككا وتهديدا لوجودها وتماسك الدويلات القطرية وجرجرتها للحروب الأهلية والصراعات الطائفية والمذهبية برغم أنها تمتلك ثروة تنظيرية هائلة حول احتمالات ومخاطر هذا التهديد وحول المشروع الحضاري الإنقاذي الذي تسترد به مكانتها وتؤدي بتجسيده رسالتها ودورها الحضاري.
ولقد أسهم في تكديس هذه الثروة التنظيرية كوكبة هامة من القيادات الفكرية والسياسية والصحفية العربية وعلى تعدد واختلاف مشاربهم وانتماءاتهم للتيارات الفاعلة في حياة أمتنا العربية وكلها لا تزال رهن الحدود الإقليمية السياسية وبدأت مؤخرا تجد بعض الدعوات إلى التكتلات الإقليمية طريقها نحو التنفيذ وإقامة جسور التعاون لتتعدى القطري لما هو ممكن على صعيد إقليمي واحد كما برز في التجربة العملية المهمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية بحافز حيوي مشجع وهو تماثل الأنظمة المنضوية تحت لواء هذا المجلس الذي تشير التوجهات القيادية العليا له إلى الرغبة لتحوله إلى اتحاد لدول الخليج العربية إذا تحقق لا بد أنه سوف يكون لبنة جوهرية واستراتيجية عظيمة لإقامة الاتحاد العربي ومع ذلك كله فإن الفكر السياسي العربي ما يزال يعقد الآمال العريضة والأحلام المستميتة في اتجاه النظر إلى الأمة العربية ككل وكوحدة اجتماعية واقتصادية وحضارية غنية بالتنوع في داخلها وبكل مقومات وأركان الوجود الواحد وإمكانات نموه وتطوره حيث لا يمكن أن تنهض الأمة بتنمية قطر أو أكثر وبقاء أي عدد من الأقطار في سبات التخلف أو في قبضة تركات العهود الماضية «خاصة وأن المصيبة تعم».
ومن الحقائق الساطعة في الحياة البشرية اليوم التقدم نحو بناء وتكوين الكيانات السياسية الكبيرة وأن العصر الذي نعيش في سمته الغالبة أنه عصر الجماهير ومتحرك بقوة الوعي والشباب من أبناء الأمة الصامدة نحو هذا الأمل العربي الكبير والإيمان بأن الحياة الجديدة تتشكل بإملاء الشعوب عبر مؤسساتها السياسية والعلمية والدستورية ومن هنا تتوضح القاعدة الصلبة التي يقوم عليها المشروع الحضاري العربي وهي لن تكون إلا قاعدة دولة المؤسسات النابعة من قلب توجهات الأمة سواء كانت مؤسسات سياسية أو علمية أو دستورية أو تربوية وثقافية والتي لا تحتكم في عملها سوى للأهداف والمبادئ والقيم كقواعد عليا مجردة وتتجاوز كل ما دون ذلك أو يتناقض مع ذلك وروح العصر السائدة مما مثل عصب الإحباط والتخلف في حياة أمتنا العربية والتي تتصف بالولاءات الضيقة أيا كانت صفاتها لأن روح الأمة وغايتها ورسالتها تجافيها وتتجاوزها ومع التسليم مع كل الذين يكتبون حول هذا الأمر بأن الأمة العربية تعيش اليوم على هامش التاريخ وفي قبضة الضياع والاضمحلال فإن المطلوب ليس التنظير الجديد وإنما المبادأة بامتلاك زمام العمل والاستجابة لتنفيذ ما صار يفرضه العصر وسبق أن نادى به وخطط له الفكر.
لذلك فإن على الأمة العربية أن تدرك أنه لا خلاص أمامها سوى في الاعتماد على نفسها وفي تجاوز واقعها المجزأ والمتخلف وفي بدء تاريخ جديد من التكامل والتعاون والسعي نحو إقامة اتحاد الدول العربية بأنظمتها الوطنية المتعددة كما هو حال الاتحاد الأوروبي ولكن برؤية حضارية متجددة حاملة لخصائص الأمة وما هي هويتها القومية بداية من التمسك المبدئي بالإيمان الصادق والقاطع بأن البيت العربي من المحيط إلى الخليج هو بيت واحد وهي حقيقة يدركها كل العرب صغيرهم وكبيرهم ولكن غشاوة البغضاء ما زالت سميكة سماكة إرث التخلف البغيض.

قد يعجبك ايضا