أضواء على طريق الحوار الوطني
عبدالصمد القليسي

عبدالصمد القليسي –
حين نوسع زاوية الرؤية لنرى المشهد العربي كامـلا فإننا سنجد أن تفككا قد جـرى في أكثر من قطر عربي (العراق والسودان) وثمة أكثر من بلد مرشح لهذه الكارثة. ونحن نرى أمامنا سوريا ولبنان الذي يبذل الفرقاء السياسيون الخيرون فيه جهودا خارقة للحفاظ على تماسكه وهو – كما يعلم الجميع – جملة من الأديان والمذاهب والأقليات العرقية. وما زالت أصوات ترتفع هنا وهناك بالدعوة للانفصال حتى في أقطار لم يخطر على بال أحد أن يحدث فيها هذا الأمر
هادفا لنجاح الحوار الوطني وجدت نفسي ملزما – بعد صمت طويل – بالإدلاء ببعض المقترحات والملاحظات أجملها فيما يلي:
الأولى: أنه يجب أن يصدق الناس جدية المتحاورين وأنهم لا يرتجون من الحوار مصلحة فردية أو قبلية أو حزبية أو جهوية وإنما يبتغون به وجه الله ومصلحة الوطن كل الوطن واستقراره وأمنه وتقدمه.
ومن أجل ذلك لابد بادئ ذي بدء أن يعلنوا على الملأ أنهم سينزاحوا عن واجهة العمل السياسي والإداري طواعية ويخلون مواقعهم لجيل جديد لا سوابق له في الصراعات المسلحة والاغتيالات السياسية إبتداء من صراع جبهة التحرير مع الجبهة القومية في ستينيات القرن الماضي بعد خروج القوات البريطانية من جنوب الوطن وانتهاء بالمواجهات الدامية في شمال اليمن وجنوبه في العقد الأول من القرن الحادي والعشــرين. وأن لا تكون حول هذا البديل (الجيل الجديد) أية شبهات في السطو على المال والممتلكات العامة والخاصة ولا دعوى لديه بأنه صاحب الحق في حكم البلاد لاعتبارات أسرية أو سلالية او قبلية أو جهوية. وان تكون المرجعية الوحيدة والأساسية هي الكفاءة العلمية والتجربة العملية والنزاهة والمشروعية الشعبية الصحيحة والشفافة.
إن توفر هذه الشروط في من سيخلف الجيل القديم هي ضمانة أكيدة لابتعاد المواطن عن النظر إلى المسئول وتقييمه بناء على انتماءاته الضيقه. وإلى ذلك فإن وجود جيل جديد خال من الشوائب ومجرد من النزعات المتخلفة في واجهة العمل العام هو المقدمة الضرورية والمدخل الوحيد لهيكلة مؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة والأمن. ولا هيكلة طالما أن للمتحاورين فيها جيوب متصارعة أومعزولة عن بعضها البعض في أحسن الأحوال.
ولست ميالا للقبول ببيت الشعر الذي يستشهد به اليمنيون عادة والذي يقول:
إذا احتربت يوما وسالت دماؤها
تذكرت القربى فسالت دموعها.
فسيلان الدموع إنما يكون لحظة عاطفية عابرة يمكن لأي حادث عرضي وبسيط أن يستدعي الملفات الدموية القديمة فتجف الدموع وتشحذ الهمم لإسالة دماء جديدة. ذلك واضح تمام الوضوح من سياق الصراعات اليمنية المتواترة لكل من يدقق في تتابع الأحداث وترابطها بعين فاحصة.
وإذن فإن انسحاب الجيل القديم سيعني أنه قد دفن نوازع الشر في نفسه وأبرز نوازع الخير فيها. وعليه بعد ذلك أن يحصر دوره المستقبلي في إسداء النصح للجيل الجديد كيلا ينزلق ويتورط فيما تورطوا فيه.
والملاحظة الثانية أنه لابد من الاعتراف بأن ظواهر الابتزاز وأساليب الكذب واللف والدوران قد ترسخت على مدى العقود الماضية حتى أصبحت سلوكا مألوفا يمارسه سائر الناس. وقد انعكس ذلك عليهم من ممارسات كافة النخب لهذا السلوك المشين في علاقاتها ببعضها البعض وفي علاقاتها بالمواطن. كما كانت أجهزة الدولة تتبع نفس الأسلوب في التعامل مع المترددين على مكاتبها ودهاليزها ولا يتردد البعض عن رد التحية بمثلها أو أحسن منها.
وعلى ذلك فإنه إذا أردنا لمؤتمر الحوار الوطني أن ينجح فإن على المتحاورين أن يخلعوا ثياب الابتزاز وأساليب الكذب واللف والدوران قبل الولوج إلى قاعة الاجتماعات.
الأمر الثالث – وهو مهم واستراتيجي – هو أن يوسع المتحاورون آفاق رؤيتهم بحيث يتعاملوا مع المعضلة اليمنية في إطارها وسياقها الإقليمي والدولي. ولا ينظرون إليها كحالة معزولة. وأريد أن أخص بالحديث هنا أولئك الذين سيحضرون المؤتمر لدواعي فك الارتباط فأقول: إن هذه الدواعي لا علاقة لها بكون أن الجنوب كان دولة مستقلة وعضوا في الأمم المتحدة ولا لأن ظلما وتهميشا لحق بأهلها ولا لأن سلبا ونهبا قد حل بممتلكاتها ومقدراتها فكل ذلك صحيح ولا خلاف عليه. لكن ليس المقصود من ذلك – عند هؤلاء – أن تعاد الحقوق إلى أصحابها وترد المظالم عمن تعرض لها وإنما المقصود هو عودة الدولة القديمة بغية الاستئثار بالثروة الوطنية التي ظهرت بعد الوحدة في مناطق منها. ولم تكن صدفة أن تتم هذه الاكتشافات على ذلك النحو! فقد فعل المستثمرون ذلك لتبدو تلك المحافظات وكأنها المناطق الوحيدة التي تختبئ الثروة تحت أقدامها. ذلك هو ما أدى بالفعل إلى القول بأن ثروة بعض المحافظات هناك تغذي خزينة الدولة بخمسة وسبعين في المائة من إيراداتها. ولقد عبر عن ذلك صراحة عدد من دعاة الانفصال على مختلف الفضائيات.
وما من شك أن
