الملف الاقتصادي على طاولة الحوار

د. يحيى بن يحيى المتوكل


د. يحيى بن يحيى المتوكل –
هل ما زال الوقت متاحا للفت الانتباه بأهمية الملف الاقتصادي وضرورة إيلائه الاهتمام المناسب خاصة ونحن في بداية مرحلة جديدة تبشر بعقد اجتماعي جديد ودولة مدنية حديثة تضمن إحداث التغيير وتحديدا حسن إدارة الموارد وتحقيق العدالة الاجتماعية¿
كنت قد فكرت في وصف طاولة الحوار في عنوان المقالة بالعرجاء لأن أي حوار وطني وشامل لا يوازن بين أطرافها يجعل منها عرجاء ثم ارتأيت حذف الصفة تلك تقديرا للدعوة للتهيئة للمؤتمر خاصة ونحن على أبوابه. ومع ذلك لا أريد أن أخفي القلق والحسرة التي أشعر بهما في كل مرة أتطرق إلى موضوع الاقتصاد اليمني وقضاياه المختلفة واستشعر فيها قدرا كبيرا من التقصير واللامبالاة بل واللامسوؤلية ليس فقط من جانب الدولة وإنما كذلك من جانب الفاعلين الآخرين في المجتمع. ورغم الدعوات وأحيانا الصرخات المتكررة لإعطاء الملف الاقتصادي حقه من الاهتمام على الأقل ترجمة لما نسمع حول أهمية القضايا الاقتصادية وأنها في واقع الأمر كانت السبب الرئيس للربيع أو الخريف العربي – سمه ما شئت إلا أننا لم نجد آذانا صاغية ولا قلوبا واعية لتلك الدعوات حتى على مستوى رئاسة الحكومة ورئيس الجمهورية والذي عبر في غير مرة عن ذلك المضمون. فما هي الأسباب يا ترى وراء هذا التغافل غير المبرر للملف الاقتصادي وفي فسحة أمل لا تكاد تبين¿
إن تركيبة الحكومات السابقة وكذلك الحالية – إذا ما استعرضناها – تفتقر أساسا إلى المتخصصين وخاصة الاقتصاديين الذين يمكن أن يمثلوا فريقا داعما لهذا الجانب ورأيا مرجحا للقضايا ذات البعد الاقتصادي وما أكثرها حيث تكاد تشمل كل شيء. أما السياسيون والمتسلقون على ذلك السلم وهم الأغلبية فإن جهلهم بالاقتصاد وقضاياه الحساسة تدفعهم للانشغال في ميادين أخرى أسهل في الفهم وأقل في المسئولية وأكثر حظا في المكسب. فحتى أمس لم يستوعب سياسيو هذا البلد أن القضايا والبرامج الاقتصادية هي التي ترفع حزبا أو تسقط حكومة. لذلك نأمل أن تقدم الأحزاب السياسية وتطرح على طاولة الحوار رؤى وبرامج اقتصادية جادة ومناسبة لإخراج اليمن من أزماته الاقتصادية المتكررة.
ولا يعتبر السياسيون وحدهم مسئولين عن هذا الإهمال للملف الاقتصادي وإنما تشترك في تلك المسئولية شريحة رجال الأعمال الذين استطاعوا أن يتكيفوا مع الأوضاع الاقتصادية السيئة والفوضى التي تسود الاقتصاد وعلاقاته خاصة وأن هذه الشريحة تشمل من الباطن رجالات دولة ومشائخ وضباطا تمكنوا من اختراق ميدان الأعمال والاستحواذ على نصيب لهم يعتد به. لذلك وجدت هذه الشريحة من استمرار الوضع على ما هو عليه معادلة مناسبة لتحقيق مصالحها وبالتالي لا داعي للتغيير أو وجع الرأس كما يقولون والذي اتضح جليا في موقف وردود فعل أغلبهم إزاء ثورة الشباب المستلبة. وفي ذات الإطار يتضح تقصير الاقتصاديين في تناول هذا الشأن بشكل متواصل وعدم قدرتهم في التأثير على صانع القرار حتى في حده الأدنى. فعلى سبيل المثال نشهد اليوم استعدادات بدرجات متفاوتة للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني سواء بشكل مباشر أو غير مباشر باستثناء الجامعات اليمنية التي أثبتت وبما لا يدع مجالا للشك انفصالها عن المجتمع وعدم تفاعلها مع قضاياه وخاصة الملف الاقتصادي بالإضافة إلى أننا نادرا ما وجدنا الأكاديميين ينبرون لإثبات وجودهم وعرض خبراتهم للاستفادة منها حين تظهر الحاجة لها وتدلهم الأزمات والمحن الاقتصادية. أما الطرف الأخير في هذا الوضع الغافل عن أهمية المسألة الاقتصادية فهو المواطن نفسه وذلك نتيجة تدني الوعي لديه حول هذا الجانب إذ لا يهمه من الاقتصاد إلا توفر السلع وعدم ارتفاع أسعارها. في حين لا يدري أن الناخب في الدول المتقدمة يصوت في الانتخابات استنادا للبرنامج الاقتصادي للمرشح. إن هذه العوامل مجتمعة هي التي أبقت قضايا الاقتصاد في الدرك الأسفل من الاهتمام الفعلي للحكومات المتعاقبة حتى لو صرحت بغير ذلك بغرض الاستهلاك الشعبي.
والسؤال الطبيعي الذي يجب أن نطرحه هو ماذا عن اليوم¿
وهل ما زال الوقت متاحا للفت الانتباه بأهمية الملف الاقتصادي وضرورة إيلائه الاهتمام المناسب خاصة ونحن في بداية مرحلة جديدة تبشر بعقد اجتماعي جديد ودولة مدنية حديثة تضمن إحداث التغيير وتحديدا حسن إدارة الموارد وتحقيق العدالة الاجتماعية¿ والإجابة على هذا السؤال تفترض أولا استيعاب دور العوامل الاقتصادية الفاعلة وعناصر الإنتاج والظروف والمتغيرات حولها سواء الداخلية أو الخارجية مما يعني تناول الاقتصاد الوطني في محيطه المحلي والإقليمي والدولي وفي تفاعلاته الحالية وإمكانياته المستقبلية وهي مسألة ليست بالسهلة في ظل فهم خاطئ أو مشوه للعديد من العوامل أو المعلومات. وبالتالي يحتاج هذا التناول إلى تفاعل الأحزاب السياسية بدرج

قد يعجبك ايضا