الثورات كظاهرة طبيعية والدولة ما بين الشكل والمضمون
باسم الشعبي

باسم الشعبي –
الربيع العربي عبارة عن ظاهرة طبيعية شكلتها الإرادة الربانية ولعب الإنسان دورا كبيرا في صناعتها من خلال الأفكار الملهمة ومن خلال الحشود الجماهيرية والشعبية التي ترجمة الأفكار إلى فعل شعبي سلمي.
لذا فالثورة ليست أيديولوجيا سياسية لحزب أو جماعة بقدر ما هي رسالة سماوية ملهمة وخالصة تقود الشعوب إلى الخلاص وتدعوهم إلى التغيير.
فالثورات حينما تجمع كل المتناقضات في المجتمع في قالب ثوري واحد حول فكرة ملهمة اسمها “التغيير” فإنها لا تعير الايديولوجيا اهتماما قدر الاهتمام بالقواسم المشتركة بين الناس (الحرية العدالة الكرامة المواطنة..) إذ هي بمثابة الوقود الذي يغلي عليها قدر الثورات الشعبية بما هي قواسم إنسانية غيبها الاستبداد وتلتقي عندها الشعوب حينما تقرر مواجهته لإسقاطه مهما اختلفت توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والايديولوجية وبالتالي فإن السياسيين المحترفين حينما يقررون قيادة شعوبهم نحو الخلاص والتغيير يجندون أنفسهم بالضرورة للاشتغال على المشترك الذي يوحد لا المتناقضات التي تفرöق ويحرصون أن يكون خطابهم جامعا توحيديا لضمان نجاح الفكرة الثورية ووصولها إلى غايتها وهي تحمل تطلعات الشعوب بمختلف فئاتها وتنوعاتها وهذه الفكرة كما يطلق عليها خبراء السياسة هي فكرة “الزعيم الملهم”.
وإذا ما تنازعت القوى المجتمعية والسياسية فكرة الثورة تكون هنا قد مزقتها إلى مجرد أفكار صغيرة وأضعفت قدرتها على الجذب والحشد وأحالت ميدان العمل الثوري السلمي الجامع إلى ميادين صراع وحلبات نزال لا تخدم سواء أعداء الثورة ورموز الثورة المضادة.
وبما أن الثورة ظاهرة طبيعية كما أسلفنا يحركها الإلهام ويصنعها الإنسان فهي بالتأكيد تظل فكرة كبيرة لا تنتمي لما هو أدنى منها سياسيا وفكريا بل تظل تسعى إلى إنجاز فلسفة جديدة في البناء يلتقي عندها كل الناس سياسيا وفكريا وثقافيا واقتصاديا بما هي فلسفة طبيعية تنبع من حاجة المجتمع لها للتجديد والنهوض المدني والحضاري.
ولما كانت الفكرة إلهامية أصلا في صورتها الثورية فإنه ينبغي أن نعيدها إلى أصلها عندما نشرع في البناء بحيث تبدو متماسكة تعبر عن تطلعات الشعوب لا عن حاجة النخب المتصارعة لتبدو متقزمة لا تعبر إلا عن المتصارعين وبدلا من أن تخلق عوامل جذب في هذه الحالة فإنها تخلق عوامل نفور لتعيد الشعوب التي جاءت لإنقاذهم وقيادتهم إلى الخلاص إلى مربع الصراع العدمي الأول وصناعة عوائق أمام بناء الدولة لا مبرر لها.
طبيعي جدا أن يوجه البعض سهام نقده صوب الفكرة الثورية باعتبارها فكرة حالمة في واقع معقد ومتشابك وإقصائي متناسين أن الأفكار العظيمة التي غيرت حياة الشعوب كانت عبارة عن أحلام أصلا ألم يكن الربيع العربي الذي اقتلع الأنظمة الاستبدادية حلما!! الفكرة الثورية ليست مؤدلجة سياسيا الايديولوجيا الحزبية أو السياسية مهما كانت إسلامية أو علمانية أو اشتراكية لا تمثل مرجعية لكل الناس ولا تهم سوى الحزب وأعضائه فقط.
الثورة أكبر من الايديولوجيا السياسية في هذه الحالة بما هي فكرة جامعة ولهذا السبب لا يفهمها المؤدلجون إلا إذا كانت تنطلق من داخل الإطار النمطي الذي ينتمون إليه وهي في هذه الصورة لم تعد فكرة ملهمة للجماهير بقدر ما هي فكرة مؤطرة تهم الحزب وأنصاره.
الثورات ليست مقدسة ولا بكونها وريث الله في الأرض كما تفعل القوى السياسية الدينية التي توظف الايديولوجيا الدينية في السياسة ومن ثم إما أن يتبعها الجميع وإما ينالهم كل الشرور التي تصل إلى حد إخراجهم من الدين نفسه غير مدركين لخطورة ما يفعلون وأن ذلك يضر بالإسلام باعتباره رسالة وعقيدة سماوية وليس محض إيديولوجيا سياسية لحزب أو حركة أو تنظيم وأزيد من ذلك تمزيق النسيج الاجتماعي للأمة ووحدتها.
من هذا المنطلق فإن أفكار الثورات أخالها جاءت لتضع حدا للصراعات السياسية التي أورثت المجتمعات العربية المهالك خلال العقود الماضية وبتوحيد الشعوب حول القيم المشتركة كما وتضع حدا للإيديولوجيات السياسية المدمرة سواء التي استوردت من الخارج أو التي نشأت من الداخل في مواجهتها والتي ولدت في الداخل فهي وإن كانت أفكار نبيلة إلا أنها ميلادها لم يكن طبيعيا لأنه جاء لدواعي الصراع والغلبة وإفناء وإزالة الآخر في مرحلة من مراحل الصراع الماضوي التقليدي الذي قاد إلى تدمير المجتمعات إذ أن ميلادها لم يكن طبيعيا كما هو حال الثورات العربية السلمية اليوم التي جاءت تحمل عوامل الخل
