إنها المذهبية.. سلاحهم الأمضى

عباس الديلمي

مقال


عباس الديلمي –

مقال

عباس الديلمي
من المقولة الشهيرة « العقل السليم في الجسم السليم» استنتج قولي عن قناعة تامة أن الفكر السليم في العقل السليم, لأن العقل المريض لا يحتضن إلا فكرا شاذا وغير سوي..
وتلك العقول المريضة هي الصيد الأسهل أو المزرعة التي لا حارس ولا مالك لها لمن أراد غرس بذرة شاذة لفكر غير سوي.. ومن المؤسف حقا أن تكون البيئة الإسلامية هي الضحية الأولى لذلك العمل الهدام الذي أسميناه خطأ وفق المصطلح الغربي إرهابا وهو في واقع الأمر إرعاب لا إرهاب كون الإرهاب يختلف تماما في اللغة العربية عن الإرعاب.
نعود إلى صلب موضوعنا ونقول ما تعلمناه ونمت ثقافتنا عليه هو أن الفكر السليم السوي, كان يساريا أو يمينيا قوميا أو إسلاميا, يقول بأنه في حالة الاختلاف والتباين في وجهات النظر, في السياسة أو الاقتصاد أو الفكر والمعتقد, فإن الكلمة تواجهها الكلمة وكذلك يواجه الكتاب بالكتاب والحجة بالحجة والنظرية بالنظرية… الخ.
هكذا يرى أو بهذا يقول كل صاحب فكر سليم في عقل سليم لينمو الفكر ويترك للناس حق المقارنة والاختيار بعد المفاضلة بلا فرض أو إكراه أو إرعاب فكري ودموي.
وما يؤسف له أن واقعنا اليوم يقول على عكس ذلك تماما, خاصة في عالمنا العربي, حيث نجد الكلمة تواجه بالرصاصة والكتاب بالقنبلة والحجة بالحزام الناسف والفكر بالسيارة المفخخة والاختلاف في المذهب داخل العقيدة الواحدة بالاستباحة لكل شيء كما تدل الشواهد اليومية على ذلك, في أكثر من بلد عربي وإسلامي..
إن تزايد وتلاحق الأحداث والجرائم الناتجة عن أمراض عقلية وتعصبات فكرية غير سوية, صارت توحي للعالم أجمع بما في ذلك عربا ومسلمين, بأن تلك الممارسات والسلوكيات صناعة عربية إسلامية مع أن الأمر عكس ذلك فالعرب كالدين الإسلامي ضحية لمن صدر إليهم كل ذلك عبر عقول ضعيفة المناعة مصابة بفيروسات الرواسب الضارة تلقفت ما ألقي إليها بخبث ودهاء فتبنته إلى أن صار لها فكر ومنهج تعمل على نشره, ولأنها عاجزة عن مواجهة من يختلف معها أو يرى عدم صوابيته بالحجة والإقناع فإنها تلجأ إلى سلاح الإرعاب والاستباحة والتكفير حسب الحال والموضوع وتضرر المصلحة.
إن الصمت أو التراخي إزاء ما حدث ويحدث في العراق منذ سنوات وعدم تسمية الأشياء بمسمياتها والخلط بين ما هو غزو واحتلال وبين ما هو سياسة وما هو مذهبي وديني قد أدى إلى ما آلت إليه الحالة في العراق وتضرر المسلم والمسيحي على حد سواء وها هو اليوم يتزايد إلى درجة تجاوزت القتل المذهبي بالمتفجرات والعبوات.. إلى قصف المواكب الدينية بالهاونات .. رغبة في قتل أكبر عدد من دونما تفريق أو تمييز بين كبير وصغير وامرأة.
هل رأى العالم أمة تقتل بعضها بهذه الطريقة في المساجد والفنادق في مراسم التشييع والعزاء وفي مراسم الأعراس في الأسواق والقهاوي وفي تجمعات العمال والباحثين عن عمل.
هل رأى العالم مثل تلك الجرائم التي لا تقرها ملة ولا مذهب في غير البلدان العربية والإسلامية التي تتصدرها العراق وسوريا وباكستان ولبنان وافغانستان واليمن وحيث يوجد مسلمون كما يحدث في الهند وغيرها من استباحة أبناء هذه المذهب أو تلك الطائفة.
لقد عملوا على تمزيق العرب إلى أنظمة جمهورية وملكية إلى جبهات تقدمية ورجعية امبريالية إلى يسار ويمين, إلى قوميين وأمميين ولم يفلحوا بالمراد خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية قضية العرب المركزية أما بالمذهبية فسينجحون وتأملوا على سبيل المثال أين قضية فلسطين ومظلومية شعبها من اهتماماتنا وإن إعلاميا, وأين جامعتنا العربية مما يجري ومن إعطاء الغطاء العربي لاحتلال ليبيا من قبل حلف الناتو ومن التدخلات الأجنبية في سوريا وتسليح المقاومة أو المعارضة هناك .. أيننا اليوم مما كان يجمعنا وإن من باب مزايدة الحكام على شعوبهم.
لقد فطنوا إلى سلاح المذهبية .. ليأكل جسدنا بعضه كما تأكل كريات الدم بعضها لندمر أنفسنا بأموالنا ونتحول إلى سوق بعد أن نكون ساحة صراع لمن يتسابقون على ثرواتنا وموقعنا, إنه الخذلان ولا نسأل الله غير اللطف في القضاء.

قد يعجبك ايضا