(عنزة ولو طارت)!
–
جمال الظاهري
حين يتذمر البعض من مراجعة مسيرته أو تذكيره بما أقدم عليه من خطوات وأفعال أو توضيح ما صاحب ذلك من أخطاء فإن هذا الشخص يعرف يقينا بأنه قد ارتكب ما يخجل منه لهذا فهو يفضل الاختباء في الزوايا المظلمة ولا يريد لأحد أن يرى غير ما يرى هو لهذا فهو كمن يتذمر ويسخط ويلعن الشمس لأن حرارتها تؤذيه متناسيا فوائد تلك الشمس وما تبعثه أشعتها من الحرارة لماذا¿ لأنه لا يرى غير نفسه ومصلحته لهذا فحاجة غيره لهذه الحرارة وأهميتها لكل المخلوقات من أجل استمرار الحياة لا تعنيه.
وحين يقفل الإنسان بصيرته فإن الجانب المظلم من العقل يزداد نشاطا وإبداعا في خلق كل ما يعكر صفو الحياة حينها يصبح الضوء والوضوح بالنسبة له مشكلة والحقيقة خرافة والنجاح فشلا والعقلانية خوفا وترددا حينها تصبح الوحشية والتشكيك والتخوين هي السائدة على العقل والمنطق فيختفي الود وتنتهي الإنسانية والإخوة والزمالة وكل مشاعر الجنس البشري التي تبني وتعمر لأن السائد حينها يكون منطق الغلبة والفوز بأي ثمن وأيا كانت الوسيلة.
العرض السابق كان مدخلي إلى موضوع الثورات العربية التي إن قلت إنها قد حققت نتائجها فإن هذا القول يوافق الصواب وإن قلت إنها أخفقت ولم تحقق ما كانت تتطلع إليه الشعوب فإنك أيضا تكون قد أصبت كبد الحقيقة كيف اجتمعت الإجابة بالإيجاب للنقيضين هذا ما سأعرض إليه في هذه المناقشة المستندة إلى الوقائع والأحداث.
إن كل ما له بداية من المؤكد أن له نهاية فكم من الوقت استنزفت أو أحرقت هذه الثورات ابتداء من ثورة تونس مرورا بما تلتها من ثورات في ليبيا ومصر واليمن والبحرين وسوريا¿ ها نحن قد تجاوزنا العام وقاربنا من انتصاف العام الثاني مسافة زمنية ليست بالهينة أو غير المهمة بالنسبة لحياة الإنسان وبالنسبة لتعمير البلدان أليس كذلك¿
قد يقول قائل لقد جمدنا لعقود وسنة ونصف من أجل النجاح لا تساوي شيئا قوله هذا صحيح في شقه الأول بالنسبة للجمود ولكنه غلطان جدا في تقزيم الفترة الزمنية خاصة إذا ما أضفنا إليها ما خسرناه خلالها هذه الخسارة لم تقتصر على شيء بعينه.. بل طالت كل مناحي حياتنا ولو أخذنا كلفتها فقط في ما أحدثته من شروخ مجتمعية وما استنهضته من رؤى مناطقية وعرقيه ومذهبية كنا قد أملنا أنها قد اندثرت خلال الحقب الماضية التي شهدت نوعا من الاستقرار للأنظمة التي ثرنا عليها لأدركنا فداحة الكلفة التي دفعناها كشعوب ولو أضفنا ما خسرناه في الجوانب التنموية التي توقفت أو تعثرت وما شهدته مؤسساتها من دمار فإن حديثنا سيطول قد تختلف نسبة التدمير من بلد إلى آخر إلا أن الحقيقة هي أن هذه الخسارة قد أعادتنا عقودا إلى الوراء على أقل تقدير تساوي العقود التي حكمتنا فيها الأنظمة المنهارة.
وبالنسبة لموضوع العمران والتطور المجتمعي الذي يؤسس لقيام الدول المدنية وبناء الإنسان فيكفي أن نضرب مثلا نعيشه في واقعنا اليمني فبعد أكثر من خمسين عاما من بناء الإنسان اليمني الذي يعتز بإرثه وانتمائه لهذا الوطن وبما حققه الإنسان اليمني من انسجام مجتمعي بين العديد من مكونات الوطن اليمني الكبير بين مختلف المناطق والقبائل وما حققه من قناعات التعايش بين المذاهب ها نحن اليوم قد عدنا عقودا للوراء وعادت ثقافة التمترس وراء القبيلة والمنطقة والمذهب وليس بيننا وبين حمل السلاح ضد بعضنا إلا بضع خطوات من قبيل ما نعيشه هذه الأيام من اتهامات وحروب وتجن ونكران لحق بعضنا البعض في اختيار المذهب الذي يرى أحد هذه الكونات أنه يناسبه واتهام بعض المناطق لمناطق أخرى بمصادرة حقوقها في الثروة واستيلائها على حقها في تقرير المصير والعيش الذي تريده.
حين يقول البعض أن التكلفة قليلة نقول له عليك أن تتعلم مبادئ الحساب من (الصفر) لأنك قد فوت الكثير وأعمتك حمى الانتهازية وجشع السلطة والنفوذ عن رؤية ما سحقته وستسحقه تحت أقدام هذه القطعان التي خرجت بداعي التغيير والثورة من أجل حياة أفضل في المستقبل القريب.
وبحسبة أخرى لو سألنا من يستخف بالكلفة التي دفعناها ومازلنا ندفعها ما هو حجم مواردك وثرواتك الوطنية التي تعول عليها في إعمار ما تهدم¿ وكم من الوقت ستحتاج للملمة هذه القطعان التي تسوقها وترسم لها الأحلام الوردية¿ وكم من الجهد ستحتاج للسيطرة عليها بعد الذي ألفته من الانفلات¿ وكيف ستقنعهم بأن يتركوا البندقية أو الخيمة ويعودوا إلى ما كانوا عليه قبل خروجهم للساحات والميادين العامة.
هل سيقبلون حينها منك أن تصرف لهم الوعود وهل سيقبلون بها¿ ثم كيف ستقنعنا بأن الاستقرار والرخاء والعدل سيكون هو السائد في عهد ما بعد الثورة¿ التي لم تستطع الحسم أو إقناع الجميع بها وبمساوئ من قامت ضدهم في حين أن هذه الثورة قد رحبت واستوعبت