مفارقة السيد الذي جعلنا من شيعته
عبدالحليم قنديل
عبدالحليم قنديل –
معنى الكاريزما أوسع من حسن الهيئة الشخصية ومن بلاغة زائدة في إلقاء خطب السياسة ومن جاذبية سحرية يتمتع بها قيادي فالثقة المتحصلة من ممارسة مرئية هي الأساس الخرساني الصلب لتكون أسطورة الزعيم السياسي.
والسيد حسن نصر الله مثال رفيع على كاريزما الزعامة السياسية فقد تحول من زعيم حزب إلى زعيم أمة ومن منتسب لطائفة الشيعة إلى رمز لطائفة المقاومة في الأمة كلها ولا يكاد المواطن العربي يصدق أحدا من المشايخ أو من قادة السلاح أو من زعماء السياسة بأكثر مما يفعل مع حسن نصر الله ولا يحتشد الناس لسماع خطبة زعيم ـ منذ عصر جمال عبد الناصر ـ كما يحدث مع السيد حسن .
وتبدو زعامة السيد حسن ظاهرة مفارقات حقيقية فلم يولد وفي يده طبق زعامة فضي موروث ولم تتزاحم على موائد عصره ملاعق ذهب تعطي الزعامة للراغبين والطامعين.
فقد ظهرت وتطورت ظاهرة السيد في سياق تراجع عربي عام انكسرت موجة المد القومي العربي من أواسط السبعينيات وسقط دور مصر القيادي في بلاعة كامب ديفيد وانفسح المجال لعربدة إسرائيلية متصلة في الشرق العربي ضربت إسرائيل مفاعل أوزيراك العراقي بينما كان بيغين مجتمعا مع السادات وزحفت إسرائيل بالغزو الشاروني إلى بيروت وبدا أن إسرائيل نجحت في احتلال عاصمة عربية خارج فلسطين لأول مرة وفي وسط الحطام تكونت ظاهرة المقاومة اللبنانية وكانت تياراتها الأولى قومية ويسارية متأثرة بتراث المقاومة الفلسطينية وسرعان ما تحول المشهد مع بروز حركة أمل بميولها الطائفية الظاهرة ثم مع الانشقاق عن أمل وتكون النواة الأولى لحزب الله ودور المؤسس الأول الشهيد عباس الموسوي ثم خلافة حسن نصر الله ومع تطور حزب الله ـ تحت زعامة السيد حسن ـ من منظمة مقاومة استشهادية إلى رقم صعب في معادلات المنطقة كلها..
وكان لافتا أن يحدث ذلك في لبنان بالذات بتركيب الموزاييك فيه وبكونه أضعف الدول العربية في قوة السلاح النظامي وبكون الدولة اللبنانية أقرب إلى الشركة المساهمة منها إلي الكيان القابض وربما تكون هذه السمات الفريدة للبنان هي التي أسهمت في نجاح مسعى حسن نصر الله فقد بدا لبنان كأرض أحلام حريات حركة للناس وانفتاح لحدود لبنان على ما عداه بيئة حرية وتحد في الوقت ذاته وموطئا لميلاد مفارقة العصر العربي التي حملت اسم نصر الله وفي بيئة ثقافة إيمانية عميقة وتطلع لمصائر الشهادة باعتبارها أغلى المنى كل ذلك لعب دوره في بناء ظاهرة الحزب المقاوم والزعيم المتفرد بطاقة الإلهام.
ونظن أن سنوات التسعينيات كانت هي الزمن المثالي لبلورة مفارقة حسن نصر الله فقد خرج العرب من حرب الخليج الثانية في حالة يرثى لها ذهبت جيوش عربية للحرب تحت القيادة الأمريكية وكان الطرف الآخر في الحرب هو جيش العراق وسيق العرب إلى مدريد وذهب الفلسطينيون إلى مفاوضات أوسلو السرية وكان الاتحاد السوفيتي قد ذهب بددا وذهب تأثيره الموازن نسبيا لنفوذ أمريكا في المنطقة وبدت لغة المقاومة غريبة تماما كغربة الإسلام في آخر الزمان وراجت أوهام وخيالات عن حقائق العصر الجديد وبينها أن المقاومة مودة قديمة وأن التسويات هي&