في ذكراك يا أبا الهاءات

كمال محمود علي اليماني


كمال محمود علي اليماني –
عن لي في الذكرى السادسة لرحيل الشاعر اليمني الكبير الأخ و الصديق محمد حسين هيثم والموافقة للثاني من مارس 2007م أن أتناول في قراءة انطباعية قصيدته (( غبار السباع- فانتازيا شعبية ) والقصيدة تستثير القارىء منذ أن تقع عيناه على العنوان فهو يجمع بين الغبار بما فيه من خواء وضعف والسباع بما فيها من شجاعة وقوة فكيف لهاتين اللفظتين بما تحملان من تناقض في معانيهما أن تلتقيا في جملة واحدة تكون عنوانا لقصيدة ومما لاشك فيه أن عنوانا كهذا يستنفز القارئ لمطالعة القصيدة واستجلاء مكنوناتها لإدراك بغية الشاعر من هذا المزج بين اللفظتين وتأخذنا الإستثارة بعدئذ لنعبر إلى تسميتها- أعني القصيدة – بالفنتازيا الشعبية والفنتازيا هو نوع أدبي يقوم على الخيال الواسع والأساطير والخرافات وهي في معناها المعجمي ألعاب فروسية فهل كان الشاعر هيثم يرمي إلى المعنى الأول للفنتازيا أم أن المعنى الثاني هو الذي أراده أم أنه أراد المعنيين معا ¿ الحق أن القصيدة توحي بهذا وذاك وتترك الاستنتاج مفتوحا على مصراعيه أمام القارئ فلاهي تميل إلى جهة المعنى الأول كل الميلان ولاهي تقف منحازة للمعنى الثاني فكلا المعنيين له من القصيدة نصيب .
والقصيدة – في تقتيتها السردية – هي رسم رافض من الشاعر للواقع العربي المتهافت وبطولات قادته الدونكيشوتيه التي تظهر الاستقواء على الضعيف والتي يلخصها الشاعر العربي القديم بقوله: :
أسد علي وفي الحروب نعامة …. فتخاء تنفر من صفيرö الصافرö
هلا برزت إلى غزالة في الوغى …أم كان قلبك في جناحي طائر.
واستخدام ((بنوعمي )) – وإن كان الهيثم قد استخدمها كلازمة – – ليس بالجديد في الشعر العربي وهو استخدام معادل لقولنا قومي أي هؤلاء الذين أنتمي إليهم من العرب الذين كانوا أماجد وكانوا فوارس وسباعا شراب دم حاطبي موت جنونا واجتياحا .. وكانوا في تاريخهم هبوبا صاعقا عصفا ونارا وإذا بهم قد صاروا إلى فرار .. وغبار .
بنو عمي سباع سبعة .. والعدد سبعة له مكانته في الثقافة الشعبية العربية فالسموات سبع والأرضون سبع وأيام الأسبوع كذلك وغيرها من الظواهر التي ارتبطت في المخيال الشعبي بالرقم سبعة لذا فقد تعمد الشاعر هيثم اختيار الرقم سبعة ليكون ممثلا لعدد أبناء عمه الفوارس في القصيدة لكن بني عمه أولئك الذي رسم لهم صورة الفرسان الأماجد ماكانوا كذلك إلا لأنهم رأوا عدوهم رجلا قليلا لذا…
بنوعمي استداروا
بنو عمي أغاروا
على رجل قليل عابر ö في الظل فاشتد الأوار ..
( طراطق طق – طراطق طق … ) يأتيك صوت حوافر العاديات المغيرات يأتيك صوتها سبعا . لكن هذا الرجل القليل لم يكن قليلا كما تصوروه أو لعلهم كانوا هم أقل من القليل وإذا بهم ..
بنوعمي تنادوا في تبعثرهم وحاروا
بنوعمي انسحاب باسل في العتمة الأولى..
يساوره غبار
هل نظرت إلى تبكيته في قوله بنوعمي انسحاب باسل .. ومتى كان الانسحاب باسلا إلا حين التهكم والسخرية .
ثم إذا هم .. بنو عمي سباع ستة .. شراب دم حاطبو موت ..
لقد طوى الانسحاب الباسل في عتمة الغبار فارسا منهم وغدوا ستة.
بنو عمي استداروا
مرة أخرى إلى الرجل الكثير
وحاولوه
وطاولوه
في ضحى عار كليل وأغاروا
( طراطق طق- طراطق طق ) وهاهي ذا وقع الحوافر صار ستا .. والرجل الذي كان قليلا أضحى كثيرا حين تكشف لهم أمر خورهم ففر أجبنهم وبقي الآخرون .
بنو عمي استخاروا
رعبهم واستدبروا وهنا يرتلهم غبار
صورة تهكمية أخرى إذ يستخير الفوارس رعبهم وأنى لرعبهم إلا أن يشير عليهم بالفرار.. وإذا بهم
بنوعمي سباع خمسة شراب دم حاطبو موت
وهكذا نمضي مع الشاعر في رحلة الشجاعة المزعومة ليتكشف لنا مدى الضعف والخور والجبن الذي وصل إليه قادة الأمة .. ولتصف لنا القصيدة فرار الفوارس عند الوغى .. فالعدد يسير في خطه التنازلي واحدا واحدا .. وطراطق طق يخفت وقعها كلما فر فارس وترك الآخرين في الميدان وراءه .
والفوارس السبعة الذين كانت صفاتهم سبعا .. شراب دم ..حاطبو موت .. جنون واجتياح ..هبوب صاعق .. عصف .. ونار .
راحت صفاتهم تتناقص هي أيضا مع كل فارس متخاذل يترك الميدان ..وإذا بنا مع الفارس الأخير ..
بنو عمي .. سبيع .. واحد نار ..
وهاهو التبكيت الثالث في قوله سبيع وقد وصف به من قبل بني عمه حين قل عددهم إلى اثنين فجاء بلفظ التصغير تهكما منه وسخرية.
ويختتم القصيدة في أجمل خاتمة متوخاة ..
بنو عمي ……
بنو عمي ……

قد يعجبك ايضا