الربيع العربي المعولم ( 1 – 2 )

خالد الصعفاني


خالد الصعفاني –

khalidjet@gmail.com
لم يخالجني الشك يوما منذ انفجار الربيع العربي في أنه كان نتاجا لمعادلة لعبت فيها أطراف محلية وإقليمية ودولية (معا) وبنسب متفاوتة الدور .. وعلى طريقة أهل الكيمياء فإن مدخلات المعادلة كانت (احتقانات متراكمة محليا + تدخلات وأدوار مباشرة عربية + تسهيلات وغطاء دولي) ولم يكن للربيع العربي نسخة العام 2010 – 2011 أن يصل تلك النتائج لولا تفاعل تلك المدخلات الثلاث معا..
دققوا في مشاهد الربيع العربي كيف حل بقوة في بقاع جغرافية بعينها ومر مرور الكرام على بقاع أخرى , ولم يلتفت حتى مجرد لفتة لبقاع عربية أخرى وطبعا كان للمعادلة السابقة سلطة إعلان الربيع في غير وقته من عدمه ..
في تونس شرارة الربيع كان هناك أمة تبحث عن صوتها الذي حرمت منه لعقود ولم تكن الدواعي التنموية هي المحرك ولعب بعض الإعلام العربي دورا مبكرا ومباشرا في تأجيج الشارع التونسي وتقريبه من فكرة الانقلاب الشعبي الأبيض على القيادة وكان على المخلوع زين العابدين -الرئيس التونسي السابق- حينها أن يواجه أخطر اختبار وأول اختبار من نوعه فنزل عند النصيحة المستوردة من الجار الأوروبي ومفادها ” فلت لهم ولك عنبك ” فكان المشهد بردا وسلاما وسجلت الحالة التونسية الوضع الأسرع حلا والأقل نتائج وكلفة في صراع التغيير .. وكما يبدو لي فإن التغيير هناك ” إلى طريق ” ..
وفي ليبيا حضر الدور العالمي بصورة أكبر رغم تداعي الكثير في الداخل مع الفكرة الجديدة القاضية بالتغيير وكانت النتائج كارثية .. ورغم أن ليبيا لم تكن ربما الأسوأ حالا وحكما إلا أن حظها من التغيير كان سريعا والأعنف أيضا وهو ما دفع فاتورته الأشقاء الليبيون غاليا من أرواح أبنائهم ومن مقدرات بلادهم الحاضرة والمستقبلية حتى وقد أسدل الستار على المشهد الليبي بإخراج نظام القذافي من مشهد السياسة برمته وقتل الرجل وشرد أبناؤه بعد حرب ضروس لم تستثن شيئا واحدا بين أنصار الرجل وأنصار التغيير..
وفي مصر لعب الدور المحلي جل تفاعلات المعادلة فكانت النتائج مفتوحة على كل شيء إلا من الانفجار الدامي للخصوصية المصرية هنا ورغم أن ربيع مصر كان حامي الوطيس إلا أنه لم يكن مخيفا كغيره وبفضل الله خرج المصري إلى نور التغيير – إلى الآن – بصورة مرضية للغالبية من أبناء الشعب والمهتمين ولم يكن ذلك إلا لأن جبهة الوعي داخليا وتحرك الأطراف المحلية كان ملتفا حول الوطن فكان حظهم الاحتكام لقاموس السياسة وقانون الديمقراطية ففرضت تفاعلات المعادلة السياسية دورها في إبدال رموز النظام السابق الذي حكم لعقود وإحلال رموز الإخوان التي ظلت لنفس العقود موضوعة في أدرج الحرمان من ممارسة السياسة ..
في سوريا اختلف مشهد الربيع قليلا وأخذ من عنف الحالة الليبية كما أخذ من انقسام الرأي الداخلي كما في الحالة اليمنية التي سنناقشها لاحقا وكانت النتيجة مؤسفة على سوريا البلد العربي الشقيق ذي الركائز التنموية الواعدة .. في سوريا خرج جزء من الشعب يقل قليلا أو يزيد قليلا عن مقابلهم من رافضي التغيير أو ناكري الربيع السوري أساسا فاتجه المشهد إلى النزعة الدامية في بعض المناطق والأوقات وكانت مآسي المواجهات في أكثر من مدينة وتمكن الدور الإقليمي من لعب دور اقرب إلى زرع الفتيل منه إلى نزعه وتوقيت التفجير بدلا من “إبطال ساعته” وكان تدخل الأطراف العربية واضحا إعلاميا ولوجستيا وربما تسليحيا وهو مازاد من تفاقم العنف .. وبقي الدور العالمي مخنوقا بين رغبة غربية في عقاب نظام الأسد وإخراجه بالقوة من الحياة السورية كما جرى مع ليبيا لحسابات آخرها تصب في مصلحة سوريا الشعب وبين حضور روسي صيني يمنع حدوث ذلك وبدوره ليس حبا في سوريا وإنما وفاء لمصالح سياسية واقتصادية .. وحتى لحظة اختلال كبير أو تخلخل حقيقي في موقف أحد الطرفين سيظل الأشقاء في سوريا في اختبار العودة الجمعية إلى أرومة الوطن الجامع لكل الأطياف بعيدا عن تدخل وتحفيز الشقيق أو الصديق الخارجي ..
في التناول التالي نستعرض الحالة اليمنية الخاصة جدا كما نطرح الأسئلة المهمة بخصوص الحمل العربي بهذا الربيع (من أبوه وكيف جرى تلقيحه) وأسئلة اختبار هذا الحمل وحياة هذا الجنين وأثره علينا بعد ذلك..

قد يعجبك ايضا