البردوني العظيم

إبراهيم محمد طلحة

 - هو المتنبي الجديد للعصر الثاني كما يناسب ذلك عنوانا في إحدى قصائده الفارهات .. بالفعل أوشك أن يشبه الأنبياء في ذكائه الوقاد وتوقعاته الخارقة ومعجزاته البلاغية غير أنه اختلف عن الأنبياء بكونه شاعرا والأنبياء – عليهم السلام- ليسوا شعراء ولا أد
إبراهيم محمد طلحة –
هو المتنبي الجديد للعصر الثاني كما يناسب ذلك عنوانا في إحدى قصائده الفارهات .. بالفعل أوشك أن يشبه الأنبياء في ذكائه الوقاد وتوقعاته الخارقة ومعجزاته البلاغية غير أنه اختلف عن الأنبياء بكونه شاعرا والأنبياء – عليهم السلام- ليسوا شعراء ولا أدباء لأن الله – عز وجل- اختارهم أصفياء من خاصته فهم اشبهوا الملائكة والشعراء أشبهوهم في اختراق مديات الحكمة وفضاءات الكلمة.
البردوني العظيم أعاد هيكلة الموت في حياته وها هو يعيد هيكلة الحياة من بعد مماته .. ما أظل ظلاله وما أهدى ضلاله .. عرف من أين يستشرف المستقبل ومن أين يغادر الدنيا .. رحل بكامل ألقه .. ترك فينا أجمل وأجل كراماته .. إنه الرائي الفيلسوف والأديب الإنسان:
(سيزيف) ناء بصخر واحد وأنا
صخري جدار حديدي وغابات
(السندباد) امتطى ظهر البحور أنا
تأتي وتمضي على صدري المحيطات
فهل توازي ملايين الرموز قوى
الأرض في قبضتيها والسماوات¿!
نعت الأشياء ووصف الألوان وتحدث إلى الكائنات وبادلها الاشواق والأحلام وهو كعادته محتب بلباسه اليمني متكئ في ديوان المقيل السبئي ينثر البهجة بيتا بيتا ويبادل الأرض الأهازيج الملاح لحنا لحنا.
البردوني العظيم الذي نسي الموت نسيه الموت .. ها هو يعيش بين محبيه ومريديه مجددا .. يتوافد إلى رحاب قلبه النجباء ويحتفل بشعره الأدباء وغير الأدباء ..
شاء له القدر أن يحل في كل حين من أحيانö العصر .. كيف لا وهو شاعر العصر ورائد الأجيال .. أوراق شذى وشجى ونام مطمئنا:
منú أنت يا ذاك¿ من لوúشم مöنú (كندا)
(صنعا) لأورق فيه البن والقات
وراء سربö القوافي صاعد جبلا
وفي البحور الخليليات حوات
إلى مراتب الشرف الأدبي أوصلته مواقف الشرف الإنساني .. اشتعل شعرا وفكرا واعتلى مكانة وقدرا .. سرعان ما انتهت إليه رياسة الشعر لأنه لم يكن يبحث عن رياسة ولم يكن يقدم على الإنسان اقتصادا ولا سياسة .. كان أمة كالخليل النبي وكان موسوعة كالخليل اللغوي .. اشتبه على أقرانه الشعر ولم تشتبه عليه تجربة:
إلى أين¿ هذا بذاك اشتبه
ومن أين يا آخر التجربة¿
البردوني العظيم عاش بتواضع ومات بكرامة ودخل التاريخ واستحق التبجيل.
جواب العصور وصياد البروق وذاكرة اليمن ونابغة العرب.
البردوني العظيم نشر من عينيه أحلى الأماني لعيني أم بلقيس وفرط في حق ذاته .. وهو عملاق الأدب والثقافة .. لأجل وطنö يرتوي من بركاتö أرضهö وسماه الإنسان كل إنسان.

قد يعجبك ايضا