«زال الهــــم» والحمـاقـــــة
لقاء وسرد فايز البخاري

لقاء وسرد/ فايز البخاري –
(زال الهم) هو اسم زوجته الذي أحب أن نذكره في سياق هذا اللقاء السردي دون حرج وقال أنه ضروري لاكتمال وضوح الصورة عن مأساته أو بالأصح كما قال: (حماقته) التي كانت وراء رميه خلف قضبان السجن الذي يقبع فيه منذ ثلاث سنوات وبضعة أشهر بعد أنú صدر بحقه حكم بالسجن عشر سنوات ودفع دية الشخص الذي قتله دون وجه حق في لحظة غضب وحماقة هوجاء دون أن يكون له ذنب سوى أنه ذكر اسم زوجة (ت- و) الذي نسرد الآن قصتهدون أن يكون يعلم بذلك ولكن سياق الحديث والفرحة التي كانت تعتري ذلك الشخص الذي هو في حقيقة الأمر مöن أصدقاء الجاني(ت-و)هو الذي استدعى ذكره دون وعي .. فإلى التفاصيل على لسان الجاني:
في ديوان القرية الذي نلتقي فيه للمقيل بشكل يومي كانت الجريمة(الحماقة) حين جاءني صديقي المجني عليه (م-خ) وجلس أمامي وبدأ يسرد لي كيف حقق الله أمنيته وسهل له شراء السيارة التي لم يقدها سوى ذلك اليوم مöن المعرض الذي اشتراها منه إلى القرية لأن الموت كان ينتظره في تلك اللحظة في ذلك المقيل وللأسف على يدي الآثمتين التي لم أكن أتوقع ولا أحد معي يتوقع أنها ستمتد بالقتل لذلك الصديق النبيل.
حين كان يسرد لي قصة تدبيره الفلوس التي اشترى بها السيارة والصعاب التي واجهها في البحث عن سيارة تتناسب والمبلغ الذي يملكه كان يورöد ويكرöر في ثنايا حديثه: (الحمد للهö زال الهم) وكان هذا الأمر يثيرني جدا لأنه يذكر اسم زوجتي على مرأى ومسمع من كل شباب القرية ومرتادي الديوان من المخزنين للقات الذين كانوا يتهامسون فيما بينهم كلما يورد اسم زوجتي (زال الهم) في جملته التي كان يكررها كأنها لازمة: (الحمد لله زال الهم).
ولم يكن المسكين ساعتها ينتبه أنه يورد اسم زوجتي وأن الشباب يتغامزون وكأنه يقصد ذلك بقصد إهانتيوأنا ومöن خلال تلك السخرية التي كنت ألمحها في وجوه الحاضرين مöن المغرضين الذين أرادوا استفزازي لأرتكب حماقة كان وجهي يحمر وعروق الغضب تنتصب في ناصيتي ولم أتمالك نفسي ولم أعد أطيق تحمل سماع حديثه ذلك فانصرفت عنه بوجهي عساه يغيöر الحديثلكن للأسف فرحته كانت أكبر مöن أن يستطيع كتمان ما حصل معه في مشوار شرائه السيارةفراح يشرح للحاضرين بقية القصة ويكرر جملته المشئومة فارتفع الهرج والمرج والضحك الذي قصد به الأوغاد إثارتي مما أوهمني أن الرجل يقصد إهانتي بحق وحقيقة وأن ذكر اسم زوجتي لم يرد في حديثه محض الصدفة فما كان مöني إلا أنú أشهرت سلاحي الأبيض (الجنبية) وانهلت عليه بالطعن دون توقف حتى هب الناس للإمساك بي وسط ذهول بعض عقال ووجهاء القرية الذين لم يستوعبوا الموقف ولم يعرفوا ما سبب تلك الحماقة التي قمت بها فجأة ودون أي مسوöغ ولم يكن يعلم أكثريتهم باسم زوجتي مثل الشباب الأوغاد الذين أوغروا صدري بتلك السخافات التي كانوا يتهامسون ويتغامزون بها أثناء حديث المجني عليه الذي بهöت أثناء هجومي عليه ولم يستطع حتى الدفاع عن نفسه وهو الذي كان يعيش تلك اللحظة بحالة نشوة لامزيد عليها!!
حين حدق في عيني رأى الموت الزؤام الذي بهره وأخرج عينيه من محجريهما وخلال دقائق كان الأمر قد حسöم..
حاول الحاضرون إسعافه إلى أقرب مستوصف في المنطقة ولكن ما إنú وصل حتى كانت الروح قد فاضت به وارتفعت نحو خالقها الذي أخذها إليه لتستريح من هذه الدنيا بآثامها ونكدها ومشكلاتها وأورث روحي حسرة وتكبيلا طويلا قد أفارق الدنيا قبل أن يزول هذا التكبيل والحجúر الذي أعيشه اليوم متدثöرا بحسرتي تلفني الهموم والغموم والأحزان والضيق والضنك مöن كل مكان خاصة وأن المكان يجبرك على رؤية وجوه مكررة أنت مضطر للتعامل مع أصحابها والنظر فيها كل يوم شئت أم أبيت فلا مناص ولا فöكاك مöن ذلك وهذه هي التعاسة بأوسع معانيها!!
كل يوم أنهض بالأمر وأنام بالأمر في وقت محدد وكأني آلة تعمل وفق توقيت محدد بعد أنú كنت أعيش حياتي بالطول والعرض كما أشاء.. وما يؤلمني أكثر هو عملية العد التي تمارس بحق السجناء وكأننا أغنام يقوم راعيها بعدöها يوميا ليعرف إنú كانت هناك شاة قد ضاعتú أم لا¿
وما يحز في النفس أكثر أنú يأتي من لا يساوي شيئا في نظرك لو كنت خارج السجن ويوجöه لك أوامر صارمة أنت مضطر لتلبيتها حتى لا تسمع منه الكلام الذي لو قيل لك وأنت خارج السجن للقنت صاحبه دروسا بليغة في الأدب واحترام الآخرين وتقدير آدمية الإنسان التي يجهلها بعض المعنيين بالسجون الذين لا ينظرون للسجين إلا على أنه مجرد مقترف ذنب أو مجرöم يجب التعامل معه بكل فظاظة وجلافة وغöلظة تؤدي ببعض السجناء أحيانا للكفر والشöرúك حين تضيق بهم السبل ويشúعöرهم أولئك السجانون أنهم دون الآ